للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الباب الثّاني والأربعون فيما روي من أسجاع العرب عند تجدّد الأنواء- والفصول- وتفسيرها

وهو فصلان:

فصل [في أن العرب أحفظ الأمم لما أدّت إليه تجاربهم من أحوال الزّمان وتعاقب الشهور والأيام واختلاف الفصول والأعوام]

اعلم أنّ العرب أحفظ الأمم لما أدّت إليه تجاربهم من أحوال الزّمان- وتعاقب الشهور والأيام- واختلاف الفصول والأعوام- بما يتجدّد فيها من الأحداث- ويتغيّر من تدبير المعاش- فهم على اختلاف ديارهم- وتباين أوطانهم وتفاوت هممهم- يراعون من هبوب الرّياح- وطلوع الكواكب- وتبدّل الأوقات- ما لا يراعيه غيرهم من سكان المدر- والوبر- وقطان البدو- والحضر- وليس ذلك مستحدثا فيهم. وإنما هو عادة منهم يتوارثونه الخلف عن السّلف- والغابر عن الماضي- ومقياسهم طول الدّربة- ودوام التفقّد- فلهم اعتبار في كلّ ما يتجدّد في الجو من طلوع كوكب أو أفوله- وهبوب بارح- أو سكون يؤدّيهم إلى ما يبنون عليه أمرهم في مقامهم وظعنهم ومزالفهم، ومحاضرهم ويعتمدونه في مكاسبهم- ومعايشهم- ومناتجهم- وملاقحهم- وسائر متصرفاتهم- من غزو- واستباحة- وانتجاع وملازمة- استغنوا به عن نظر أصحاب الحساب.

وتوغلّهم من لطائف البحث والاستقصاء، فهم أتباع ما اعتادوا من البرق إذا لمع، والغيث إذا أصاب ووقع، والحر إذا أقبل وأدبر، والبرد إذا خفّ واشتدّ، لا يغفلون ولا يضيعون، فسبحان من جعل لكلّ أمة خصائص صاروا لها بمنجاة من الشرّ، وعوائد أصبحوا فيها على شفا الخير، وقد سجع حكماؤهم أسجاعا أبانوا بها فوائد يحبهم، أنا ذاكر ما يحضرني مفسرا.

قال أبو حنيفة: وجدتهم بدءوا بالثّريا وإن كان الشّرطان قبلها في نسق المنازل، ولم أجد العلّة في ذلك إلّا تعطل الأنواء وانصرام الرّطب، وهجوم الحر وقوة البوارح، فجعلوا الشّغل بما هم فيه، وطلوع الثّريا هو أمارة قوة الحر عند الجميع لا اختلاف فيه، فقال

<<  <   >  >>