للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي من برحت أي انقضت، ومنه ما برحت أفعل كذا، وأصله البراح، من المكان وقال الفراء: برحت بالفتح مضت ويقال: برح الخفاء أي زال ومنه البارحة وقال قطرب: لا يقال بارحة الأولى لأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولا إلى نعته والجمع البوارح.

وذكر بعض شيوخنا أنّ قوله: لا أبرح بمعنى لا أنال ولا يجوز أن يكون أصله من البراح من المكان بدلالة قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ

[سورة الكهف، الآية: ٦٠] ألا ترى أنّه محال أن يبلغ مجمع البحرين وهو لم يبرح من مكانه قال: وإذا لم يستعمل أبرح إلا على أحد هذين الوجهين وبطل أحدهما ثبت الآخر، ويمكن أن يقال في جوابه معنى لا أبرح حتى أبلغ أي لا أتجاوز هذا الطريق ولا أعدل عن سلوكه وسمته حتى أبلغ هذا المكان، فخذف الطريق وهذا كما يقال: لم أبرح بلد كذا حتّى فعلت كذا وإن كان ينقل في البلد لأنّ المعنى لم أتغيب ويشهد لهذا أنه لا يستعمل ما برح في الله تعالى لأنّه لا يقال: لم يبرح الله قادرا فلو كان لم يبرح بمعنى لم يزل حتى لا فرق بينهما لما امتنع مما دخله، وإذ قد امتنع فلأنه لا يجيء إلا وأصله البراح من المكان ذكر أو لم يذكر وذلك لا يجوز على القديم تعالى.

واعلم أنّ هذه الكلمة في اللغة مدارها الأكثر على التّجاوز، من ذلك قال الأعشى:

أبرحت ربا وأبرحت جارا أي جاوزت ما عليه أمثالك في الخلال المرضية، والبارحة الأولى التي قبل البارحة، وجمع البارحة البوارح، ولم يتجاوزوا ذلك. وأمّا الفائدة فما يستقبل بعد ليلتك التي أنت فيها وكأنها مأخوذة من الاستقبال ويقال: قبلت الوادي أقبله إذا استقبلته ويقال: آتيك القابلة والمقبلة كما يقال: عام قابل ومقبل وأنشد:

أقبلتها الخلّ من حوران مجتهدا ... إني لأزري عليها وهي تنطلق

ويقال فعلته ليلا ونهارا أي ضياء وظلاما، غير مخصوص بوقت معلوم، وفعلته يوما وليلة يريد أنّ من جملة الزّمان ما تنحصر بهذا القدر وربما جعل بعض أجزاء الليلة ليلا وجعل اللّيل لليلة واحدة قال:

وودّ الليل زيد إليه ليل ... ولم يخلق له أبد النّهار

ولم يرد الجنس لأنّ الجنس يستوعب الأوقات، فلا يزاد للأمثلة وكذلك قوله: إني إذا ما اللّيل كان ليلتين، أراد كل واحد من الشّاعرين ليلة واحدة وأنها في طولها كانت أوقاتها وساعاتها لتطاولها وامتدادها ومقاساة ما يعاني منها كليلتين. وغرض الشاعر أن يصف طول ليلته أي كأنها في طولها مضاعفة متزايدة، وإذا جعل اللّيل جنسا فسد المعنى أيضا؛ لأن اللّيل المستوعب لأجزاء جنس اللّيل إذا قيل فيه كان ليلتين وحصر بما يقع فيه التّنبيه من

<<  <   >  >>