تخيرت في وقت خلق الله تعالى الأفلاك، والرّوم تجعل ابتداء سنتها من الخريف، وهو زمان الاعتدال والاستواء أيضا، فكلّما حلّت الشّمس برأس الميزان فقد مضت سنة للعالم عندهم، والعرب تجعل السّنة نصفين شتاء وصيفا وتبدأ بالشّتاء فتقدمه على الصّيف كأنّها تعمد على أنّ مبادئ الأقوات فيه وأوائل النّماء في العالم منه، ثم أوّل الصّيف داخل عليه واصل وما بعده مزلق منه وفيه يستقبل الأمور ويفتح لأنواع الخلق التدبير ويزدوج الأسباب وتلقح السّحاب ويحيي الأرض بعد موتها وينشر النّبات غب اندفانها وإلى هذا أشار أبو تمام في قوله:
لو لم تكن غرس الشّتاء بكفّه ... لاقى المصيف هشايما لا تثمر
ويشهد لذلك تقديم الله تعالى الشّتاء على الصّيف حين ذكر رحلتي قريش للتّجارة وامتنّ عليهم بما مكن لهم في النّفوس من الإجلال والمهابة لكونهم قطان الحرم وأرباب الأشهر الحرم، حتى أمنوا الزّمان، وكانت العرب من غلب سلب فقال: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ
[سورة قريش، الآية: ١- ٢] .
فابتداء الشّتاء وهو النّصف الأول من السنّة من حين ابتداء النّهار في الزيادة، وذلك لحلول الشّمس برأس الجدي وفي برجه إلى انتهائه في الطّول وذلك لحلول الشّمس في برج السّرطان، وابتداء الصّيف وهو النّصف الثّاني من السّنة من حين ابتداء النّهار في النّقصان، وذلك لحلول الشّمس في برج السرطان إلى حين انتهائه في القصر، وذلك لحلول الشّمس في برج الجدي ويقسمون الشّتاء نصفين.
والصّيف أيضا نصفين، ومنتصف كل واحد منهما استواء اللّيل والنّهار والاستواء الذي يكون في نصف الشّتاء يسمّى الاستواء الرّبيعي وهو لحلول الشّمس في برج الحمل، لأنّ الشتاء كله ربيع عندهم من أجل النّدى، ولذلك تسمية الرّبيعين الأول ربيع الماء والثّاني ربيع النّبات، والاستواء الذي يكون في نصف الصّيف يسمّى الاستواء الخريفي، وذلك لحلول الشّمس في الميزان فهذه أرباع السّنة وفصولها الشّتاء والرّبيع والصّيف والخريف، ولكلّ فصل من فصول السنة ثلاثة أبراج من البروج الاثني عشر لأنها ثلاثة أشهر.
فبروج الشّتاء الجدي والدلو والحوت، وبروج الربيع الحمل والثّور والجوزاء، وبروج الصّيف: السرطان والأسد والسّنبلة. وبروج الخريف: الميزان، والعقرب والقوس. وأوائل بروج هذه الفصول تسمّى منقلبة وهي الجدي والحمل والسرطان والميزان، لأنّ في أوائل هذه الفصول ينقلب الزّمان من طبيعة إلى طبيعة. وأوساطها وهي الدّلو والثّور- والأسد- والعقرب- تسمى ثابتة لأن في أوساط الفصول تثبت طبائع الزّمان على حدّها وأواخرها وهي