للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حمس المذنب، ومثل قولهم إذا طلعت الشّعرى: جعل صاحب النّخل يرى، ومثل قول الشاعر شعرا:

فلّما مضى نوء الثّريا وأخلفت ... هواد من الجوزاء وانغمس الغضر

ومثل قوله:

هنا ناهم حتّى أعان عليهم ... عزالى السّحاب في اغتماسه كوكب

فهذه السّقوط وما أشبهه هو بالغداة، وإذا ذكر ذلك من نجوم الأخذ خاصة فهو النوء، ألا ترى أنّهم لمّا أرادوا الطّلوع بالغداة قالوا: إذا طلع النّجم فالحرّ في خدم، فجاء مرسلا غير مضاف. ولما أرادوا طلوعه لغير الغداة قالوا: إذا طلع النّجم عشاء ابتغى الرّاعي كساء، فجاء مضافا إلى الوقت. وأما قول القائل: حين البارحة حين غاب النّجم وذهبن ليلة كذا، حين طلع السّماك فإنّما المراد بذلك، وقت المجيء والذّهاب من تلك اللّيلة بعينها، وليس من الأوّل في شيء، ومنه قول الشاعر شعرا:

حتى إذا خفق السّماك وأسحرا ... ونبا لها في الشّدّ أيّ نبال

ومثل قول الآخر:

فعرسن والشّعرى تغور كأنّها ... شهاب غضا يرمى به الرّجوان

وإذا جاء ذكر المغيب مرسلا، فالمراد حينئذ الغيبوبة التي هي ابتداء الاستسرار وذلك قولهم: غرب الثّريا أعوه من شرفها، وكقولهم: مطر الثّريا صيف كلّه وهذا الغرب غير السّقوط الذي هو النوء، ومطر نوء الثّريّا وسمي ومن هذا الجنس قول الشاعر:

فيمّمت سيرا سريع الرّجا ... ء مائل من راجل يركب

مغيب سهيل صدور الرّكا ... ب سيرا يشقّ على المعتب

فهذا كلّه غيبوبة الاستسرار، ولا يكون إلا بالعشيّات على أثر مغيب الشّمس ثم لا تراه بعد ذلك حتى يتمّ استسراره، ثم يكون أوّل ظهوره بالغدوات وقد اختلف النّاس في معنى النّوء: فبعضهم يجعله النّهوض، قال: لأنه سمى نوى الطّلوع الرّقيب لا لسقوط السّاقط، وهذا ليس بمنكر في اللّغة، لأنّ هذه اللّفظة تعدّ في الأضداد، قال أبو حنيفة: هو النّهوض، ولكنّه نهوض الذي كأنه يميله شيء فيجد به إلى أسفل، وزعم الفراء أنّ النوء السّقوط والميلان، وأنّ أبا ثروان أنشده في صفة راع نزع في قوس:

حتّى إذا ما التأمت مفاصله ... وناء في شقّ الشّمال كاهله

قال: يريد أنه لما نزع مال إليها، وقوله: التأمت مفاصله فإنّه يعني أنّه لزم بعضه بعضا

<<  <   >  >>