إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ*
[سورة الرعد، الآية: ١٩] وقوله تعالى: أَوْ أَرادَ شُكُوراً
[سورة الفرقان، الآية: ٦٢] يريد أو يتأمل ما ينقل فيه حالا بعد حال من صنوف آلائه، ووجوه إحسانه، فيضم الشّكر فيه. قوله: خلفة فيما يؤدّيه من المعنى كما حكاه أبو زيد من قولهم: ولد فلان شطرة، والمراد ذكورهم بعدد إناثهم، فهذا من الشّطر، كما أنّ ذاك من الخلافة. والنّشئة والنّاشئة أوّل ساعات اللّيل.
وقال ابن الأعرابي: إذا نمت من أوّل اللّيل نومة ثم قمت، فتلك النّاشئة والنّشئة حجر يكون على الحوض. قال ومنه قوله: هرقناه في بادي النّشيئة داثر والنّشيئة الجارية.
ومنه قول الشاعر شعرا:
ولولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسي النّشأ الصّغار
قال أبو العباس المبرّد: إذا قال القائل: ما رأيته مذ مدّة من يومي علم أنّ ذلك ساعة أو ساعات. وإذا قال: مذ مدّة من عمري علم أنّ ذلك سنة أو سنون أو ما يدانيه.
ومن ظروف المكان مني فرسخين: وكان شيخنا أبو علي يقول: هذا كان يقوله الدّليل لمن يستهديه، أي: إني أرشدك في فرسخين، ومعنى من شأني وأمري كما قال: فإنّي لست منك ولست منّي ويجوز أن يقول: أنت منّي فرسخان، كأنّه جعله نفس الفرسخين.
والمعنى: بيننا هذه المسافة، فأمّا قولهم: هو منّي معقد الإزار ومقعد له لقابلة، ومناط الثّريا فإنما ساعت أن تكون ظروفا وإن كان المحدود من الأماكن لا يجعل ظروفا لأنّها أزيلت عن مواضعها، فوضعت موضع القرب والبعد، فدخلها بذلك الإبهام، وتقول: اليوم الجمعة واليوم السّبت، وجعلت الثّاني هو الأوّل، فرفعت لكونه مبتدأ أو خبرا، وإن نصبت فقلت:
اليوم السّبت واليوم الجمعة جاز. وتجعل الثّاني كالحدث لتضمّنه معنى الفعل، فيصير كقولك: اليوم الخروج، وغدا الارتحال، ولو قلت: زيد اليوم لم يجز، لأنّ ظروف الأزمنة لا تتضمّن الأشخاص والجثث، لأنّها لا تخلو منها على كلّ حال، فلا يحصل في الكلام فائدة، وكذلك إذا قلت: حضرت يوم الجمعة، كان يوم الجمعة ظرفا لا غير، لأنّك إن جعلته مفعولا لم يكن فيه فائدة، لأنّه لا يغيب عنه أحد وعلى هذا قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
[سورة البقرة، الآية: ١٨٥] ويقول: الصّيام عشرة أيام إلّا يوما، فلا يجوز إلا الرّفع لأنّه يريد الوقت كلّه فهو كقوله تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ
[سورة سبأ، الآية: ١٢] وتقول: اليوم عشر من الشّهر والاختيار النّصب، وكذلك إذا قلت لك: اليوم شهران أو سنتان نصبت اليوم، وإن سقط من الشّهر شيء لأنّ الاسم يستحق منه على نقصانه، وتقول: لا أكلّمك أخرى اللّيالي ذكر أخرى ليصلها بما قد مضى، وكذلك غابر الدّهر: أي باقيه وقوله: رآها مكان السّوق أو هو أقربا، مثل قوله تعالى: