الشهر، إذا أردت أنّ اليوم تمام خمسة عشر- ومن العرب من يقول: اليوم يومك، فيجعل اليوم الأوّل بمنزلة الآن، لأنّ الرّجل قد يقول: أنا اليوم أفعل كذا ولا يريد يوما بعينه.
واتّفق الكوفيّون والبصريّون على أنّ قول القائل: خلفك وقدّامك وما أشبههما من الأماكن العامة ظروف في الإضافة، واختلفوا فيها إذا أفردت، فقال البصريّون: هي ظروف على ما كانت في حال الإضافة.
وقال الكوفيّون: إذا أفردت صارت اسما فقولك زيد خلفا وقداما عند البصريّين ظرف. وعند الكوفيّين زيد خلف على معنى متأخر، وقدّام بمعنى متقدّم، وكذلك إذا قلت:
قام زيد خلفا نصبته على الظّرف عند البصريّين. والكوفيّون يقولون: تقديره تقدير الاسم الذي هو حال كأنّه قال: قام متأخرا وكذلك إذا قلت: قام مكانا طيبا يكون ظرفا.
والكوفيّون يقولون: ناب عن قولك مترفا ومعتبطا، وإنمّا يحتاج إلى الإضافة عندهم لأنّه يكون خبرا عن الاسم، كما يكون الفعل خبرا في الوقت، زيد يذهب فلمّا كان الفعل يحتاج إلى فاعل ويتّصل به أشياء يقتضيها من المصدر والمكان والزّمان والمفعول ألزموا المحلّ للإضافة ليسدّ المضاف إليه مسدّ ما يطلبه الفعل ويدلّ عليه.
وقال البصريّون: إنما الإضافة لتعيين الجهة والتّعريف. والأصل هو التّنكير وإنّما التّعريف داخل عليه. وأجمع الفرقتان على أنّ الوقت يرفع وينصب إذا كان خبر المرفوع مبتدأ في حال تعريف الوقت وتنكيره. فالتّعريف قولك: القتال يوم الجمعة واليوم. وإن شئت قلت: اليوم ويوم الجمعة. والتّنكير كقوله:(زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا) وغد.
فالتّقدير في الرّفع وقت القتال اليوم فحذف المضاف والنّصب بإضمار فعل كأنّك قلت:
القتال وقع اليوم، وإذا كان الفعل مستغرقا للوقت كلّه- فالبصريّون يجيزون فيه النّصب على الظّرف، كما يجيزونه في غير المستغرق ويدخلون عليه (في) .
والكوفيّون لا يجيزون فيه النّصب وهذا غلط، ويجعلونه خبرا هو الأوّل، ولا يدخلون في تقول صيامك يوم الخميس، والصّوم يستوعب اليوم ويجوز في قولهم: صمت في يوم الخميس. والكوفيّون لا يجوّزون النّصب ويمنعون من إدخال (في) لأنّها عندهم: توجب التّبعيض، والصّوم يستوعب اليوم. وقولهم فاسد لأنّ (في) لا يمتنع دخولها على زمان الفعل وإن قلّ، ويقول: كلّمت في القوم أجمعين، فيدخل (في) وقد استوعبتهم الكلام، وامتنع الكوفيون من زيد خلفك أشد منع حتّى قال بعضهم في قوله: ألا جبرائيل أمامها إنّ ذلك إنمّا جاز لأنّ جبرائيل لعظم خلقه يملأ الأمام كلّه، وهذا في التّحصيل خطأ لأنّ الأمام لا نهاية له، وكذلك سائر الجهات. وأجازوا ذلك في أخبار الأماكن فقالوا: داري خلفك ومنزلي أمامك، وعلى هذا حمل ثعلب قول لبيد: خلفها وأمامها وإذا تأملت فلا فصل.