للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال لابنه: أجز، فقال:

فأصبحن بالموماة يحملن فينة ... تشاوى من الإدلاج ميل العمائم

ثم قال لابنته أجيزي فقالت شعرا:

كأنّ الكرى يسقيهم صر خديه ... عقارا تمشّت في الطّلى والمعاصم

فقال: والله ما وصفتها حتى شربتها وضربه ابنه بسهم فاختلّ ساقه وقال شعرا:

إنّ بني رملوني بالدّم ... من يلق أبطال الرّجال يكلم

وما يكن من صعر يقوم ... شنشنة أعرفها من أخزم

قال ذو الرّمة:

وليل كجلباب العروس أدّرعته ... بأربعة والشّخص في العين واحد

أجم غدافي وأبيض صارم ... وأعسر مهري وأشعث ماجد

أخو ثقة جاب الفلاة بنفسه ... على الهول حتى لوّحته المطارد

وأشعث مثل السّيف قد لاح جسمه ... وحيف المهاري والمهوم الأباعد

سقاه الكرى كأس النّعاس برأسه ... لدين الكرى من آخر اللّيل ساجد

أقمت له صدر المطيّ وما درى ... أجائرة أعناقها أم قواصد؟

ترى النّاشىء الغرّيد يضحى كأنّه ... على الرّجل مما منه السّير عاصد

قوله: (كجلباب العروس) : في التشبيهات الظّريفة لأنّ اللّيل لا يشبه جلباب العروس إلا في سبوغه واتّساعه وقلة فرجه وتمامه ومثله قول الآخر شعرا:

إذا ما الثّريا طلعت في سنائها ... طلاع العروس في ثياب جلاء

تنفّست من علمي بما البين صانع ... وإنّ ردائي ليس لي برداء

وإنما ذكر الثّريا لطلوعها في أطول ما يكون، وحينئذ تطلع في وقت غروب الشّمس وذلك في أوّل الشّتاء، فإذا طلعت طلعت في حمرة الأفق، فشبّهها في تلك الحالة بثياب العروس في حمرتها وسبوغها. قوله: (تنفّست) : أي علمت أنّ الزّمان قد تغيّر عن هيئته، وأنّ الإنسان لا يكتفي من الكسوة بما كان يكتفي به قبل ذلك لتحرك البرد، وأنّ الأحياء تتفرّق فيطلبون المحاضر ويهجرون البوادي ولابن أم صاحب:

وفتية أرّقتهم من مهجع ... والنّوم أحلى عندهم من العسل

لا يطعمون النّوم إلا قللا ... حسوا كحسو الطّير من ماء الوسل

<<  <   >  >>