وقلت له ارفع جلد عينيك إنّما ... حياتك بالدّهنا وحيف الرّواسم
أمر صاحبه أن يشمّر للسّير أي حياتك في قطع الطّريق.
شعر:
عشيّة خمس القوم إذ كان فيهم ... بقايا الأداوي في النّفوس الكرائم
فآثرته لمّا رأيت الذي به ... على القوم أخشى لا حقات الملاوم
حفاظا ولو أنّ الإداوة تشترى ... غلت فوق أثمان عظام المغارم
على ساعة لو كان في القوم حاتما ... على جوده ضنّت بها نفس حاتم
وكان كأصحاب ابن مامة إذ سقى ... أخا النّمر العطشان يوم الضّجاعم
(الضّجاعم) : من منازل الفرزدق، شبّه الفرزدق بنفسه بكعب بن مامة الإيادي لما آثر العنبري على نفسه، وذلك أن كعبا نزل بموضع يقال وهب أو وهبين وقد اتّقد القيظ، وكان صديقه ورفيقه النّمري في سفرته فعطش القوم فاقتسموا وكاد النّمري يهلك عطشا، فقال لساقي القوم: اعط أخاك النّمري يصطبح، فجعل له الماء صبوحا لعزّه، وإنما يكون الصّبوح في اللّبن والنّبيذ، ثم أعاد القوم القسم فنظر كعب إلى النّمري قد غلبه العطش، ودارت عيناه في رأسه، فقال لصاحب القسم: اعط أخاك النّمري يصطبح، فآثره بشربته، ثم ثلّث السّاقي فآثره، وارتحل القوم، فلما ركبوا الفلاة أناخ كعب ناقته وقال: يا قوم النّجاء ألا ماء معكم فإنّي أحسّ الموت، فمات كعب وارتحل أصحابه، ومعهم نجيبته وسلاحه ومتاعه فأوردوه أهله فقال أبوه وقد كتم بعض الخبر شعرا:
أمن نطف الدّهنا وقلة مائها ... ذوات الرّمال لا يكلّمني كعب
فلو أننّي لاقيت كعبا مكسرا ... بأنقاء وهب حيث ركبها وهب
لآسيت كعبا في الحياة التي ترى ... فعشنا جميعا أو لكان لنا شرب
وقال فيه:
ما كان من أحد أسقى على ظمأ ... خمرا بماء إذا ناجورها بردا
من ابن مامة كعب ثم عى به ... زوء المنيّة إلا حرة وقدا
يروى وقذا فيه:
وفى على الماء كعب ثم قيل له ... يا كعب إنّك ورّاد فما وردا
ويروى ورد كعب. وأما التّعاقب بها فمنه قول الفرزدق شعرا:
أقول لمغلوب أمات عظامه ... تعاقب أدراج النّجوم العوائم