كتابنا هذا. وقد ميّز أصحاب الأحكام من المنجّمين من هذه الكواكب الستّين ثلاثين كوكبا وجعلوا لكلّ كوكب منها خراجا من طبائع الكواكب الخمسة المتحيّرة ووضعوها أساسا للأقضية التي يحلفونها والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
فإن قيل: كيف تميّز للعلماء مواضع هذه الكواكب ومقاديرها في سيرها على خفائها وعجز الحس عن إدراكها؟ قلت: أدركوا ذلك في الأزمنة المتعاقبة والدّهور المترادفة، فكان أحدهم يقف في عمره مع تفقّده البليغ لها على بعض أحوالها، ثم يرسم ما يقف عليه لمن يخلف بعده، وقد شاركه فيما مضى ثم قاس الأخلاف بعدهم قرنا بعد قرن، فوجدوها وقد تقدّمت عن تلك الأماكن الأول، وكذلك فعل الأخلاف للأخلاف، وقد ضبطوا تواريخ تلك الأزمنة معتبرين فوجدها تتحرك بأسرها معا حركة واحدة، فتقطع في كلّ مائة عام درجة واحدة، حينئذ حكموا بما قالوا، فهذه حال هذه الكواكب المسمّاة ثوابت، إلّا كوكبا واحدا، فإنّه سيّار خلاف سيرها، وخلاف سير السّيارات كلّها وهو الكوكب الذي سمّاه المنجّمون ذا الضفيرة وذا الذّؤابة وهو الذي تسمّيه العامّة كوكب الذّنب، وإنّما يظهر في الزّمان بعد الزّمان ولأصحاب الملاحم فيه روايات.
فعلى هذا عرف العلماء مواضع هذه الكواكب من الفلك وحكموا بما حكموا في كتبهم من شأنها.
ولما أرادوا تميّز كواكب السّماء قسمّوا الفلك قسمين، فسموا أحد القسمين جنوبيا، والنّصف الآخر شماليا، ولذلك سمّوا ما وقع من البروج والكواكب فيهما، وسمّت العرب تلك الشّمالية شآمية، والجنوبية يمانية، ولا فرق بين المقصودين، ولذلك جعلوا ما بين رأس الحمل إلى رأس الميزان من البروج شآمية، وما بين رأس الميزان إلى رأس الحمل من البروج يمانية.
وكذلك جعلوا ما بين الشّرطين من المنازل إلى السّماك شآمية، وجعلوا ما بين الغفر إلى الرّشاء يمانية، وجميع ذلك قد تقدم القول فيه، فأقرب مشاهير الكواكب إلى القطب بنات النّعش الصّغرى وهي شآمية سبعة كواكب في نظم بنات نعش الكبرى، أربعة منها نعش وثلاث بنات، والمنجّمون يسمّونها ذنب الدّب الأصغر. فمن الأربعة الفرقدان وهما المتقدّمان المضيئان، والآخران وراءهما خفيّان. ومن البنات وهي ثلاث أوّلها: الكوكب الذي يسمّى الجدي وهو الكوكب الذي يتوخى النّاس بها القبلة، لأنّه لا يزول وتسميه العرب جدي بنات نعش، يكبّ على اليدين فيستدير. وقال الأخطل وذكر بني سليم شعرا:
ولا يلاقون فراضا إلى نسب ... حتى يلاقي جدي الفرقد القمر