للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ

[سورة البقرة، الآية: ٩٨] فأدخلهما في جملة الملائكة ثم أبانهما إذ كانا بائنين من سائر الملائكة، وكذلك سبيل القول في العرش والكرسي والسّماء والأرض والحوت، والثّرى، لأنّ الكرسي إذا كان مثل السّماوات والأرض والعرش أعظم منه فمتى ذكر أنّه عال على العرش وظاهر عليه فقد خبّر أنّه على كل شيء قدير، وقد يكون العلوّ بالقدرة والاعتلاء، فمرة يذكر العرش، ومرة يذكر الكرسي دون العرش، ومرة يذكر السّماء دون الكرسي ومرة يقول: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ

[سورة الأنعام، الآية: ٣] بعد أن قال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ

وترك ذكر الأرض فلو كان إذا ذكر السّماء دون الأرض كان ذلك دليلا على أنه ليس في الأرض كان في ذكره أنه على العرش، دليل على أنه ليس في السّماء وقد قال: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ

[سورة الملك، الآية: ١٧] ومرة يذكر معاظم الأمور، وجلائل الخلق، وكبار الأجسام وأعالي الأجرام، ومرة كلّ شخص كيف كان وحيث ما كان كقوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ

[سورة المجادلة، الآية: ٧] الآية. وقد قال أيضا على هذا المعنى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ

وقال: نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ

[سورة الواقعة، الآية: ٨٥] .

فإن زعم القوم أنّه إنما ذهب إلى معنى القدرة والعلم لأنّ قربه منهم كقربه من العرش قلنا: فقد صرتم إلى المجازات وتركتم قطع الشّهادة على ما عليه ظاهر الكلام، فكيف نعيتم ذلك علينا، حين زعمنا أنّ تأويل قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى

[سورة طه، الآية: ٥] ليس على كون الملك على سريره بل هو على معنى العلو والقدرة والحفظ والإحاطة والظهور بالسلطان والقوّة وهذا بين والحمد لله.

فإن قالوا: ما تأويل استوى؟ وما فائدة على؟ قلنا: قد زعم أصحاب التفسير عن ابن عباس وهو صاحب التّأويل والنّاس عليه عيال، أنّ تأويل قوله: استوى استولى، وقد قال تعالى لنوح: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ

[سورة المؤمنون، الآية: ٢٨] ولم يرد الله تعالى أنّهم كانوا مائلين فاعتدلوا، وإنما معناه فإذا صرتم في السّفينة فقل: كذا وكذا، وقد يقول الرّجل: قلت كذا وكذا ثمّ استويت على ظهر الدّابة بعد أن لم أكن عليها فقلت كذا وقال تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً

[سورة يوسف، الآية: ٢٢] وإنما يريد: فلما انتهى وبلغ جعلناه حكيما، وكما يقال للغلام المقدود: هذا غلام مستو فإن قالوا: قد عرفنا هذه الوجوه ولكن ما معنى قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ

[سورة فصلت، الآية: ١١] قلنا معناه: ثم عمد إلى السّماء فخلقها كما قال ابن مقبل شعرا:

أقول وقد قطعن بنا شرورى ... عوامد واستوين من الضّجوع

<<  <   >  >>