للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثاله قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ

[سورة المائدة، الآية: ١٠٦] إلى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا

[سورة التغابن، الآية: ١٦] .

ومنها أن يروى في تفسير الآية عن طرق كثيرة وعن رجال ثقات عند نقّاد الآثار ورواتها، أخبار يختلف في أنفسها ولا يتّفق ولا يستجاز مخبرها أو يستبعد، ثم تجد إذا عرضتها على ظاهر الكتاب لا تلائمه من أكثر جوانبها ولا توافقه وذلك مثل قوله تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها

[سورة الأعراف، الآية: ١٨٩] إلى فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

[سورة الأعراف، الآية: ١٩٠] ومثل قوله تعالى:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

[سورة الأعراف، الآية: ١٧٢] إلى أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ

[سورة الأعراف، الآية: ١٧٣] والوجه في الآيتين وأشباههما عندي أن يراعى لفظ الكتاب بعد الإيمان به ويبدل المجهود في انتزاع ما يتفق فيه أكثر الرّواة من جهة الأخبار المروية وما هو أشبه بالقصة، وأقرب في الندين، ثم يفسر تفسيرا قصد لا يخرج فيه عن قصة الرّواية واللفظ ولا يترك الاستسلام بينهما للجواز والانقياد للاستبشار لما عرف من مصالحنا فيما يمنعنا علمه أو يقنعنا عليه ألا ترى قوله تعالى فيما استأثر بعلمه: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي

[سورة الإسراء، الآية: ٨٥] وقوله: وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا

[سورة الأعراف، الآية: ٨] بعد قوله تعالى: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ

[سورة المدثر، الآية: ٢٩] عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ

[سورة المدثر، الآية: ٣٠] ومثل هذا الاستبشار ما فعل الله من الصّرفة بيعقوب وبنيه حين انطوى عليهم خبر يوسف وكان بينه وبينهم من المسافة ما كان بينهم. ويشبهه الصّرفة التي ذكرناها ما يفعل الله من سلب الانبساط من الكفّار فيكون ذلك سببا للتسلّي فيما يبتلون به من العقاب وذلك قوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ

[سورة الزخرف، الآية: ٣٩] .

ومنها الالتباس حال التاريخ أو ما يجري مجراه في آيتين تتعارضان أو آية وخبر فتختلف في النّاسخة منهما والقاضية على الأخرى وذلك كما روي عن مجاهد في قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ

[سورة المائدة، الآية: ٤٩] وهو أمر بالحكم فنسخت ما قبلها وهو: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ

[سورة المائدة، الآية: ٤٢] وهو تخيّر. وروي السدّي عن عكرمة في قوله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ

[سورة المائدة، الآية: ٤٢] قال نسختها: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ

[سورة المائدة، الآية: ٤٩] وهذا قول أهل العراق ويرون النّظر في أحكامهم إذا اختصموا إلى قضاة المسلمين والأئمة، ولما روي من رجم النبيّ صلى الله عليه وسلم اليهودية واليهود، وأمّا أهل الحجاز فلا يرون إقامة الحدود عليهم يذهبون

<<  <   >  >>