للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البعث والنّشور، وأخبرهم به النبي. وقيل: المراد يؤمنون بالله ورسوله وما أنزل إليه، يظهر الغيب لا كالمنافقين الذين يقولون للمؤمنين إنا معكم، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنّا معكم، إنّما نحن مستهزءون، ومثله قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ

[سورة يوسف، الآية: ٥٢] وقوله تعالى: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ*

[سورة الأنبياء، الآية: ٤٩] .

واعلم أن من لا يفعل ذلك لم يجز له أن يعرف شيئا إلا من جهة المشاهدة أو ببداهة العقل، أو بخبر ممن شاهده ولو كان كذلك لسقط الاستدلال والنظر، ولما جاز أن يعرف الله ولا حدوث الأجسام، ولا صدق الرّسل فيما أتت به من عند الله، لأنه يجوز أن يعرف الله بالمشاهدة ولا ببداهة العقل لأنّه لا يشاهد، ولأنه لو عرف ببداهة العقل لاستوى العقلاء في معرفته، فوجب بهذا أن لا يعرف الله إلّا بدلالة المشاهدة، وكذلك حدوث الأجسام، ولسنا نريد باستشهاد الشاهد أن يستدلّ به على ما لم نشاهده إلا بأن نشاهد نظيره، ومثله ألا ترى أنّا لو شاهدنا في هذا البلد إنسانا لم نعرف بذلك أن في غير هذا البلد إنسانا آخر من غير أن نشاهده، ولكن هو أنا إذا وجدنا الجسم في الشّاهد إنّما كان متحركا لوجود حركته، ثم وجدنا حركته لا توجد إلا فيه، ومتى بطلت حركته لم يكن متحركا دلنا ذلك على أن كلّ جسم متحرّك فيما لم نشاهده لم يكن متحركا إلا لوجود حركته، ولا توجد حركته إلا فيه، ومتى بطلت حركته لم يكن متحركا؛ لأنّه لو جاز أن يكون متحركا في الغائب مع عدم حركته لجاز في الشاهد مثله، وكذلك إذا وجد الجسم في الشاهد إنّما كان جسما لأنّه طويل عريض عميق ومتى عدم طوله أو عرضه أو عمقه لم يكن جسما لزمه أن يعلم بدلالة الشّاهد أنّ الجسم الغائب إنمّا كان جسما لمثل ذلك.

وكذلك إذا وجد الجسم في الشّاهد لا يكون في مكانين في وقت واحد لأن وجوده في أحد المكانين ينافي وجوده في المكان الآخر كان علينا أن نجري القضية في الغائب على حده. وكذلك القول في امتناع اجتماع الضّدين، والحركة والسّكون والسّواد والبياض، والاجتماع والافتراق بحسب أن يراعى حالها في الشّاهد فيحمل الغائب عليها وإذا كان الأمر كذلك وجب أيضا أن يكون إذا وجدنا الفعل في الشّاهد لا يوجد إلّا من فاعل، ولا يحصل موجود إلا بفعله له، ثم وجدنا فعلا لم نشاهد له فاعلا أن نعلم بدلالة الشّاهد أنّ له فاعلا وإن كنّا لم نشاهده، ولا يجب إذا لم نجد إلا أجناسا من الأشياء أن لا يثبت في الغائب خلافا لما شاهدنا، لأنّ الأعمى الذي لم يشاهد الألوان قط لا يجوز له أن يثبت شيئا إلّا من جنس ما شاهده بسائر جوارحه، إذ قد ثبت الألوان التي هي خلاف جميع ما شاهده، وإن كان هو لم يشاهد وكذلك الحياة والقدرة والعلم لا يشاهد ولا شوهد نظائرها ولا يجب مع ذلك أن لا نثبتها مع وضوح الأدلّة عليها فلم يجب علينا لمن أراد منّا نفي القديم إذ كنا لم

<<  <   >  >>