للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستفاده أبلغ من مستفاد الحقيقة ولذلك عدل إليه نظرنا فوجدنا طريق استحقاق الموصوفين من وجوه أربعة:

الوجه الأوّل: طريق الاختصاص والاستبداد وهو المرسوم لصفات النّفس ليفيد في الموصوف أنه مستبد بها، ومستغن بكونه عليها عن غيره وأنه مختص بها من غير أن يجعل نفسه كالعلّة الموجبة للعلل، ولا قائمة مقامها وهذا كوصف المحدث بأنه موجود وحي وقادر وعالم وسميع وبصير وما جرى مجراها، ولذلك رسمت بصفات التّوحيد لمّا توحّد الله بطريق استحقاقها فلم يشاركه فيها غيره مع جواز وصفهم بها لاستحقاقهم لها من غير هذا الوجه.

الوجه الثاني: طريق المعاني الموجبة لها وهو المرسوم بصفات العلل ليفيد في الموصوف بها أنه مستحقّ لها بالعلّة الموجبة له عند تعلّقها به دون غيره وهذا كوصف المحدث بأنه عالم وقادر وحي وسميع وبصير ووصف كل موصوف بأنه مريد وكاره، وكقولهم مشته ونافر النّفس وما شاكل ذلك.

الوجه الثالث: من طريق القادرين وهو المرسوم بصفات الفعل ليفيد في الموصوف بها أنه مستحقّ لها بكون القادر قادرا عند فعله وإيجاده إيّاه دون غيره، وهذا كوصف المحدث بأنه موجود لما كان معدوما ومقدور القادر عليه وليس في الأحوال ما يتعلق بالقادر غير المعدوم الموجود.

الوجه الرّابع: من طريق استحالة ضدّها على الموصوف بها ورسمت بالصّفات اللّازمة ليفيد في الموصوف بها أنه مستحق لها على طريق اللّزوم له من غير أن يكون محتاجا في ذلك إلى غير ما يوجبها له، كالعلّة وما يجري مجراها ومن غير أن يكون مختصا به كصفات النّفس وهذا كوصف الشّيء بأنّه معدوم، ومعنى المعدوم أنه لا يجوز أن يحصل له من أحكامه التي تخصه وصفاته الجائزة عليه شيء، كما أنّ الموجود هو الذي يكون على حاله يلزمه جميع أحكامه به والموجبة له، فلذلك قلنا إنّه لا يكون معدوما بفاعل ولا بمعنى ولا بنفسه لمّا لم يكن له واسطة بين الوجود والعدم، فلذلك لزمه العدم عند استحالة الوجود عليه، فأمّا الأوصاف التي تتعلق بالأعيان ممّا لا يكون عبارة عن أحوالها بل هي إخبار عنها وعن غيرها لاختصاصها بها في باب الحلول أو التّعلق أو ما يجري مجراهما فليس لها علة ولا ما يجري مجراها ولا يجوز أن يكون شيء من ذلك بالفاعل.

واعلم أنّ أعمّ الأشياء قولنا شيء لأنّه يتعلّق بالمسمّى لكونه معلوما فقط ومستحيل أن يكون ذات غير معلومة أو ذات على حال غير معلومة عليها أو غير جائز أن يكونا معلومين، فإن كان العلم لا يحصل بالحال التي عليها لأن العلم بالذّات هو الّذي منه يصل إلى العلم

<<  <   >  >>