والتأنيث، فأجروا ما لا يصح وصفه بالتّذكير الحقيقي ولا التأنيث الحقيقي مجرى غيره في العبارة.
وكذلك في الاخبار عن الله تعالى وإضمار أسمائه في الاتصال والانفصال إذ قلت هو وأنت وإياك ورأيته ورأيتك ومثل ذلك اقتصادهم في صفات ما غاب عنّا من أمور الآخرة وأهوال القيامة وطي السّماوات وتبديل الأرض غير الأرض إلى غير ذلك مما أخفيت حقائقه عنّا فاقتصروا في بيانها على عبارات لا تستوفيها، وعلى كنهها لا يؤديها، وهي ما نستعمله إذ عبّرنا عمّا نشاهده.
فأمّا الفصل بين السّامع والسّميع حتّى قيل: لم يزل الله سميعا وامتنع لم يزل الله سامعا فهو أنّ السّميع لا يقتضي مسموعا فيعدى إليه والسّامع لا بدّ له من مسموع، والمسموع لا يكون مسموعا حتى يكون موجودا وذلك يدافع قوله: لم يزل وهذا كما يقول: هو عالم وعليم في كل حال ثم تمنع من أن يقول: لم يزل الله عالما بأنه خلق زيدا إذ كان ذلك يوجب وجود زيد في الأزل، وعلى ما ذكر من الاقتصاد والاقتصار تركوا العبارة عن أشياء وإن أدركها الفهم لقلّة البلوى بها وذلك تركهم وضع في الصناعات المستجدّة ما أحدث من الأسماء ووضع في الشّرع أو نقل ما وضع ونقل.
وأما الأسماء المشتقة من الأعراض التي ليست مهيات كقولهم: فاعل ومحدث وعادل وجابر وصادق وكاذب ومريد وكاره فإنها لا توجب تشبها وذلك أن الإنسان قد يكون فاعلا لفعل لا يحلى به، والفعل لا يختلف به هيئته عند أحد ممن يدركه، (ألا ترى) أنّ هيئته لا تختلف لما يفعل في غيره من الحركات والتأليف والافتراق والعدل والجور ولا الإرادة والكراهة ولا الأمر والنّهي فلم يجب أن تكون تسميتنا بهذه الأسماء للمسمّى بها إذا استحقها تشبها له، لأن التّشبه في الشاهد لا يعقل إلا من وجهين اثنين، أحدهما: اشتباه بالهيئة كالأسود والأسود والطويل، أو يشبهان بأنفسهما وأن يكونا من جنس واحد نحو البياض والبياض، والتقدم والتقدم، والتأخّر والتأخّر، وما جرى هذا المجرى من الأجناس المتفقة بأنفسها، فلما كانت تسميتنا بالفاعل لا توجب جنسيته ولا هيئته لم يوجب تشبها وهذا كقولهم آمر وناه وقائل ومعلوم ومذكور، فأما رحيم ورحمن فهما من الرّحمة وبناءان للمبالغة وحقيقة الرحمة النعمة إذا صادفت الحاجة.
وذكر بعضهم أنّ الرّحمن هو الاسم الذي لاسم القديم سبحانه فيه وليس كذلك لأنهم قالوا لمسيلمة رحمن، وقالوا أيضا فيه رحمن اليمامة، وذكر بعضهم أنه لمّا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرّحمن قالت قريش: أتدرون ما الرّحمن؟ هو الذي كان باليمامة، وإذا كان كذلك فما بقي إلا أن يكون لفظة الله هي التي لا سمّي فيها، فإن قيل: فقد نرى الفاعل هيئته يخالف