[سورة الإسراء، الآية: ٤٧] وصف بالمصدر كما وصف بالعدل والرضى، وإذا كان الكلام بيانا عن المعاني فعلى المتكلم أن يبيّن المعاني التي يخبر عنها بكلامه وإلا كان بمنزلة من يلغز ويعمّي كلامه لئلا يفهم، وفاعل هذا مختار عابث فأما قولنا: وكيل علينا أي متول لأمورنا وقائم، بحفظنا ونصرتنا، ولا يجوز أن يقال: وكيل لنا لأنّ الوكيل لنا هو النائب عنّا وخليفتنا فيما يليه لنا فأما قولنا: توكلّنا على الله، فليس من الوكالة في شيء وإنما معنى يتوكل يلتجئ ويعتمد وإذا كان كذلك فإنّا نقول: الله وكيل علينا، ولا نقول: متوكّل علينا.
فإن قيل: كيف جاز مجيء تفعل وتفاعل في صفاته وممّا من أبنية التكلّف والتّكلف لا تجيزه على الله. قلت: قوله المتكبّر والكبير المتعالي في صفاته كالكبير والعالي والمباني كما يتفرد بالمعاني أو يكثر مجيئها لها فإنها قد تتداخل وتتشارك حتى لا تمايز ولا تباين، وإذا كان كذلك فقول القائل تعلى وتعالى وعلا بمعنى واحد قال:(تعلّى الذي في متنه وتحدّرا) بمعنى علا وحدر وقال شعرا:
ومستعجب مما يرى من إناتنا ... ولو زينة الحرب لم يترمرم
بمعنى عجب. وقال أوس:
وقد أكلت أظفاره الصّخر كلّما ... تعايا عليه طول مرقي توصّلا
بمعنى أعيى، وهذا كثير ظاهر فاعلمه. ومنه قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ
[سورة الأعراف، الآية: ١٦٧] بمعنى آذن. واعلم وقد انتهى هذا الباب وكمل بما ضمّ إليه من أخبار الرّسول صلى الله عليه وسلم وغيرها، جامعا إلى الوفاء بما وعدته ومجيئه على المثال الذي خططته، أني لم آل جهدا في اختيار ما كانت الحاجة إلى بيانها أمس، والنّفس إلى تبينها أتوق، حتى بلغ حدا يمكن الاستعانة به، مع أدنى تأمّل على فتح كثير مما يستغلق من نظرائه، وكلّ ذلك بعون الله وحسن توفيقه، وأنا الآن مشتغل بالباب الثّاني والكلام في حقيقة الزّمان والمكان، والرّد على من تكلّم بغير الحق فيهما والله بحوله وقوّته يعين على بلوغ ما نعرب منه وهو حسبنا ونعم الوكيل.