رجعت مع أبى ولا مع الذي غصبنى، قال فقلت لها فما الذي تريدين؟ قالت إنى لا أصلح إلا للملوك فلا حاجة لى بسواهم، فلما سمع ذلك أبوها سكن ما كان فى نفسه لها من الإشفاق، وظن أنها قد فتنت وفسدت. قال حماد ومن أين تقولين أنك تصلحين للملوك؟ قالت، لأن عندى علما لا أشارك فيه ولا يدعيه غيرى، فقلت لها ألا أريتينا شيئا من علمك، قالت نعم تأمر بقتل إنسان وتحضر أمضى سيف عندك، أتكلم عليه بكلمات تمنع من تأثيره فى أحد ويعود فى كف حامله أكل من قبله. قال حماد فقلت إن الذي يجرب هذا فيه لمغرور، فقالت لى، أويتهم «ا» أحد فى قتل نفسه؟ قلت لها لا، فقالت إنى أريد أن تجرب ذلك فىّ حتى تروا عجبا. قال فأتى بسيف ماض فتكلمت عليه وأشارت إلى السماء مرارا ومدّت عنقها، فضربها السياف ضربة أبان رأسها من جسدها؛ فاستيقظت من غفلتى، وعلمت أنها تداهت على، وكرهت العيش بعد الذي جرى عليها واستبان لأبيها ذلك فجعل يلقى نفسه عليها، ويتمرغ فى دمها اغتباطا بما رأى من عظيم أنفاسها، إذ «ب» اختارت الموت على ما نزل بها، وقال لا شك أن إشارتها إلى السماء إنما كان ذكرا للشهادة والدعاء لله تعالى أن يغفر لها. وتصنع بمدينة قلعة حماد أكسية ليس لها مثيل فى الجودة والرقة إلا «ج» الوجدية التى تصنع بوجدة؛ يساوى كساء عيد من عمل القلعة ٣٠ دينارا.
مدينة أشير «١» : بناها زيرى بن مناد الصنهاجى وتعرف بأشير زيرى، وكانت مدينة قديمة فيها آثار عجيبة، وإنما بنى زيرى سورها وحصنها وعمرها فليس فى تلك الأقطار أحسن منها. وهى بين جبال شامخة محيطة بها. وداخل المدينة عينان لا يبلغ لهما غور ولا يدرك لهما قعر من بناء الأول، وبالقرب من المدينة بنيان عظيم يعرف بمحراب سليمان لم ير بنيان أعظم منه ولا أحكم، فيه من الرخام والأعمدة والنقوش ما يقصر عنه «د» الوصف.