على ضفة النيل، فإن النيل يشق جميع تلك البلاد، ويسقى أكثرها. ومن عجائب تلك البلاد أن فيها حيوان يشبه الفيل فى عظيم خلقته وخرطومته وأنيابه، يسمونه جفو ويرعى فى البر ويأوى إلى النيل، ويصطادونه فيأكلون لحمه ويصنعون من جلده الأسواط التى تسمى بالسّريّاقات، ويقال لها بالأندلس ذنب الفأر.
ومن هناك تحتمل الأسواط إلى جميع الآفاق، ولهم فى صيده حيلة فإنهم يميزون فى النيل المواضع التى يأوى إليها هذا الحيوان [حيث] يتحرك الماء على ظهره لقلة استقراره، وعندهم مزارق حديد قصار فى أسافلها حلق قد شدت فيها حبال مديدة، فيزرقونه بالعدد الكثير منها، فيهرب منهم ويغوص فى أسفل النيل فيرخون له تلك الحبال فيضطرب حتى يموت. فإذا مات طفا على الماء فيجرونه إلى البر، ويأخذونه. وتلى مدينة قلنبوا مدينة ترنكة «ا»«١» : وهى مدينة كبيرة على نظر واسع وبها تصنع الأزر المسمات بالشكيات التى تنفق فى مدينة قلنبوا وغيرها، وهى من القطن وليس بهذه المدينة قطن كثير وإنما هو مجلوب إليها، وهم يتبركون بشجره فقل ما عندهم منزل ولا دار إلا وفيه شجرة قطن. وحكم أهل هذه البلاد فى السارق أن يخير صاحب السرقة فى بيع السارق أو قتله، وحكمهم فى الزانى أن يسلخ من جلده.
ومن مدينة ترنكة تتصل ببلاد السودان إلى بلاد زافون «ب»«٢» وهم من البرابر لهم مدينة زافون، سميت بهم. وهم يعبدون ثعبانا عظيما له عرف وذنب ورأسه كرأس البختى، وهو فى مغارة فى أصل جبل، وعلى فم المغارة عريش وحوله مواضع يتعبدون فيها لذلك الثعبان، ويعلقون نفيس الثياب والمتاع على تلك المغارة، ويضعون لذلك الثعبان جفان الطعام وعساس اللبن والشراب، فهم إذا رأوا خروجه إلى ذلك العريش تكلموا كلاما معلوما عندهم، وصفروا تصفيرا كذلك فيبرز إليهم. فإذا هلك وال من ولاتهم جمعوا أولاده، إن كان له ولد ومن يصلح للملك بعده، وقربوه من ذلك الثعبان وتكلموا بكلام يعلمونه، فيدنوا ذلك الثعبان منهم فلا يزال يشمهم رجلا رجلا