للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه «١» . والجانب الغربى من هذه المدينة جبل أبيض كأنه طيلسان «ا» ، ويحيط بها من الجانب الشرقى النيل كأنه جدول فضة، قد تشبكت عليه فى الأرض الأشجار والكروم، فلا تسمع فيه الكلام من شدة أصوات الطيور «٢» .

ولنيل مصر فى زيادته ونقصانه عجائب كثيرة، عرضنا عن ذكرها لكثرة معرفة الناس بها. وليلة الغطاس بمصر من أعجب شىء؛ وتسمى فى هذا الزمان كسر الخليج، وهى لعشر تمضى من كانون الآخر «ب» وهو بلغة الروم ينّير؛ وذلك الوقت يستوى مد النيل ويأخذ فى الانحطاط. وأصفى ما يكون ما النيل فى ذلك الوقت. ولهذه الليلة بمصر شأن عظيم، وذلك أنه يخرج تلك الليلة جميع البشر ممن يقدر على الخروج تلك الليلة وقد أعدوا ما أمكنهم من الأطعمة والأشربة، ولبسوا أحسن ما عندهم من الملابس، وأظهروا ما أمكنهم من الجواهر وأوانى الذهب والفضة، وأحضروا جميع الملاهى. ويدخل الناس فى الزوارق، ومنهم من يدخل فى الدور المشرفة على النيل، ويشعلون المشاعل «ج» والشمع الكثير. ويشعل صاحب مصر الشمع على جانب النيل «ج» ، فيحرق فى تلك الليلة بمصر من الشمع ما لا يحصى عدده؛ فترى الناس على شطوط النيل فى الزوارق، ومنهم فى الدور المشرفة على النيل بالطبول والأبواق وجميع الملاهى.

وهى أحسن ليلة تكون بمصر وأكملها سرورا؛ ويغطس أكثر الناس فى النيل، ومن لم يغطس يرش عليه من الماء، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض «٣» .

قال عمرو بن العاص: «ولاية مصر تعدل الخلافة» «٤» ، لأنها جعلها الله متوسطة بين الإقليم الثالث والرابع؛ سلمت من حر الإقليم الأول والثانى، ومن برد الإقليم الخامس والسادس. وقال الجاحظ: «أهل مصر أعقل الناس صغارا