كثيب من رمل، يخرج النيل من تحته. وقال بعض الفلاسفة: أقول إنه قد يكون البحر في موضع من بعض المواضع ثم ينضب الماء عنه حتى يصير أرضا يابسة ثم يعود بحرا، والعلّة في ذلك أن قرار الأرض يشبه أجسام الحيوانات والنبات، وأن لها نهاية وغاية بمنزلة الشباب والهرم ينقص ويزيد، فإذا قربته الشمس حينا طويلا حلّلته فارتفع وجفّ ذلك الموضع، فإذا بعدت الشمس هنة رطب ذلك الموضع وندي واجتمعت فيه المياه من الندى والأمطار، ذكروا أن أرض مصر كانت بحرا، وكذلك جميع الأرض عليها فنضب ذلك الماء قليلا، فجفّت تلك المواضع في مدّة من الزمان، فظهر اليبس وغرس فيه الأشجار وزرع فيه الزرع.
ولما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل بوونه، فقالوا: أيّها الأمير لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلّا بها، قال: وما ذاك؟ قالوا: إذا كان لاثنتي عشرة ليلة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضيناهما وجعلنا عليها من الحليّ والحلل والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل. قال عمرو:
إن هذا أمر لا يكون أبدا في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما قبله، فهمّوا بالجلاء فلمّا رأى ذلك عمرو كتب إلى عمرو بن الخطّاب، فكتب إليه أنك قد أصبت وأني قد بعثت إليك بطاقة في داخل كتابي هذا- يعني رقعة- فألقها في النيل، فلمّا قدم كتاب عمر على عمرو أخذ البطاقة ففتحها، فإذا فيها من عبد الله عمر إلى نيل مصر أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله العزيز الغفّار الواحد القهّار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهّار أن يجريك، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، وقد تهيّأ أهل مصر للجلاء لأنهم لا تقوم مصلحتهم إلّا بالنيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستّة عشر ذراعا في ليلة واحدة، وقطع الله تلك السنّة عن أهل مصر، وقال ابن الكلبيّ: كتاب عمر إلى نيل هو الطلسم الأكبر.
ومن عجائب مصر: حشيشة يقال لها الدقس، يتّخذ منها حبال للسفن، تسمّى تلك الحبال القرقس، يؤخذ من القرقس قطعة فيشعل بين أيديهم كالشمع، ثم يطفي فيمكث سائر الليل، فإذا احتاجوا إليه أخذوا طرفه فأداروه كالمخراق