فيشتعل. ومن أعاجيب مصر: الشجرة التي تدعى باليونانيّة المومقس، يرى بالليل من بعيد كأنه حريق، فإذا دنا منه الإنسان لم يجد عنده شيئا بتّة. ومن أعاجيب مصر: الرماد الذي يقال له رماد السنط، وهو خشب يوقد نهارهم كلّه، ولو جمع الإنسان ذلك الرماد لما ملأ راحته. ولهم حجارة الواحات، كلّ من تناول منها حجرا فحرّكه فكأنّما يحرّك مقلة نواتها في جوفها، ولهم القراطيس التي لا يشركهم فيها أحد، ولهم دابّة يقال لها الأسقنقور يهيج الجماع إذا أكل، وفيه أعجوبة أخرى وذلك أن ثلاثة من الحيوان للذكر منها أيران: الأسقنقور والورل والضبّ.
ومن مفاخرهم: شراب العسل وهو هناك يختار على الخمر البابليّ للذّته وطيبه وشدّة أخذه، وموضع الأعجوبة فيه أنه يتّخذ في زمان مدود النيل، ويعمل من ذلك الماء الخاثر الكدر، ولو عمل من الصافي لم يخرج على صفاء هذا ولا جودته، ولا تزيده تلك الكدورة إلّا صفاء وحسنا، ولهم البلسان، ودهن الفجل، ودهن الخردل، ولهم الخيش والريش، ولهم أن كلّ واد في الأرض مخالف لواديهم، لأنه يستقبل الشمال وماؤها يجري من الجنوب، وأعجوبة أخرى أنها لا تمطر مطرا، وأعجوبة أخرى أن اسمها مصر، وعلى اسمها سمّيت الأمصار مثل:
الكوفة والبصرة- وإنّما سمّيت البصرة فسطاطا على التشبيه بفسطاط مصر-.
وقال الكلبيّ: كان لفرعون ما بين مصر إلى مغرب الشمس وهي مملكة إفريقية والأندلس، وإنّما هو مثل أرض واسط أربعون في مثلها وأعجوبة أخرى بمصر وهي الأترجّ، ربّما وضع الرجل الأترجّة بينه وبين صاحبه فلا يرى أحدهما الآخر لكبرها، وبمصر من الأعاجيب السمك الرّعاد، ومن صاد منه سمكة لم تزل يده ترعد وتنتفض ما دام في شبكته وشصّه، وليس هذا بأعجب من الجبل الذي بآمد، يراه جميع أهل البلد فيه صدع فمن انتضى سيفه فأولجه فيه ثم قبض على قبيعته بجميع يديه، اضطرب السيف في يديه وارتعد هو ولو كان أشدّ الناس، وفيه أعجوبة أخرى لأنه متى حكّ بهذا الجبل سيف أو سكين حمل ذلك السكّين الحديد، وجذب الأبر والمسالّ بأكثر من جذب المغناطيس، وأعجوبة أخرى أن ذلك الحجر بعينه لا يجذب الحديد، فإن حكّ عليه سكّين أو حدّ به جذب