وكان محمّد بن عمير بن عطارد «١» يقول: الكوفة سفلت عن الشام ووبائها، وارتفعت عن البصرة وعمقها، فهي مريئة مريعة بريّة بحريّة، إذا أتتنا الشمال هبّت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور، وإذا هبّت الجنوب جاءتنا بريح السواد، وورده، وياسمينه وخيريّه وأترجّه، ماؤنا عذب، ومحتشّنا خصب.
وكتب إليهم عمر بن الخطّاب: أني اختبرتكم فأحببت النزول بين أظهركم، لما أعرف من حكم الله ولرسوله، وقد بعثت إليكم عمّار بن ياسر أميرا، وعبد الله بن مسعود مؤذّنا ووزيرا، وهما من النجباء من أهل بدر، فخذوا عنهما واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي.
وكان زياد يقول: الكوفة جارية حسناء، تصنّع لزوجها فكلّما رآها يسرّ بها.
قالوا: ولنا فتوح وأيّام، فمن فتوحنا: الحيرة، وبانقيا، والفلّوجتين، ونستر، وبغداد، وعين التّمر، ودومة، والأنبار، وما فتحوا مع خالد بن الوليد في مسيرهم إلى الشام: المصيّح، وحصيد، وبشر، وقراقر، وسوى، وأراك، وتدمر، ثم شاركوا أهل الشام في بصرى ودمشق، هذا كلّه في خلافة أبي بكر، ثم كان من آثارهم في خلافة عمر: يوم جسر أبي عبيد، ويوم مهران، ويوم القادسيّة، ويوم المدائن وجلولاء وحلوان، هذا كلّه قبل أن ينزلوا الكوفة، ثم نزلوها ففتحوا الموصل، وآذربيجان، وتستر، وماسبدان، ورامهرمز، وجرجان، والدّينور، ولهم مع أهل البصرة نهاوند، ولهم بعض الريّ، وبعض إصبهان، ولهم طميس ونامية من طبرستان، ونزل الكوفة من الخلفاء والأئمّة عليّ والحسن (عليه السلام) ، ومن الملوك والخلفاء معاوية، وعبد الملك، وأبو العبّاس، وأبو جعفر المنصور،