للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفتوح: الزط والمحمرة وبابك وعمورية والمازيار وجعفر الكردي والحسن بن خيلويه والحوف بمصر.

وكتب عبد الله بن المعتز إلى بعض إخوانه يذكر سرمرى بعد خرابها ويذم بغداد وأهلها: كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكّانها، وأقعد جدرانها.

فشاهد اليأس فيها ينطق، وحبل الرجاء فيها يقصر. فكأن عمرانها يطوى، وكأن خرابها ينشر. قد وكلت إلى الهجر نواحيها وحث باقيها إلى فانيها. وتمزقت بأهلها الديار، فما يجب فيها حق جوار. فالظاعن عنها ممحوّ الأثر، والمقيم بها على طرف سفر. نهاره إرجاف، وسروره أحلام. ليس له زاد فيرحل، ولا مرعى فيربع.

فحالها تصف للعيون الشكوى، وتسير إلى ذم الدنيا. بعد ما كانت بالمرأى جنة الأرض وقرار الملك، تفيض بالجنود أقطارها، عليهم أردية السيوف وغلائل الحديد. كأن رماحهم قرون الوعول، ودروعهم زبد السيول. على خيل تأكل الأرض بحوافرها، وتمدّ بالنقع ستائرها. قد نشرت في وجوهها غرر كأنها صحائف البرق، وأمسكها تحجيل كأسورة اللجين. وقرّطت عذرا كالشنوف. في جيش تتلقف الأعداء أوائله ولم تنهض أواخره. قد صب عليه ذمار الصبر، وهبت له ريح النصر. يصرّفه ملك يملأ العين جمالا والقلوب جلالا. لا تختلف مخيلته ولا تنقض [٧٦ ب] مريرته. ولا يخطئ بسهم الرأي غرض الصواب، ولا يقطع بمطايا اللهو سفر الشباب. قابضا بيد السياسة على أقطار ملك لا ينتشر حبله، ولا تتشظى عصاه، ولا تطفى جمرته في سن شباب لم يجن مأثما، وشيب لم يراهق هرما. قد فرش مهاد عدله، وخفض جناح رحمته. راجما بالعواقب [الظنون] «١» .

لا يطيش عن قلب فاضل الحزم بعد العزم. ساعيا على الحق يعمل به. عارفا بالله يقصد إليه. مقرّا للحلم ويبذله. قادرا على العقاب ويعدل فيه. إذ الناس في دهر غافل قد اطمأنت بهم سيرة لينة الحواشي خشنة المرام، تطير بها أجنحة السرور، ويهب فيها نسيم الحبور، فالأطراق على مسرّة والنظر إلى مبرّة. قبل أن تخبّ مطايا

<<  <   >  >>