شدة حرّها وكثرة هوامها وحيّاتها وجراراتها بأمر فضيع «١» . ثم قال: وكيف لا يكون كذلك وطعام أهلها الأرزّ وهم يخبزون في كل يوم. فيقدّر أنه يسجر بها في كل يوم خمسون ألف تنور. فما ظنك ببلد إذا اجتمع فيه حرّ الهواء وبخار هذه النيران؟ وحلف بالله عزّ وجلّ أنه عزم مرارا أن يغرق نفسه في المسرقان لما كان يلقى من الكرب وشدة الحرّ والسموم.
ويقول أهل الأهواز إن جبلهم إنما هو من غثاء الطوفان تحجّر. وهو حجر ينبت ويزيد في كل وقت.
قالوا: ولنا السكّر وأنواع التمر. وهم أحذق الأمة في إيجاد أنواع السكر.
ولهم الخزّ السوسي والديباج التستري. وكل طيب يحمل إلى الأهواز فإنه يستحيل وتذهب رائحته ويبطل حتى لا ينتفع منه بكثير شيء.
والأهواز افتتحها أبو موسى الأشعري في ولاية عمر بن الخطاب رضي [الله] عنهما. وآخر مدينة افتتحت من الأهواز السوس. فلما افتتحها وأخذ المدينة وسبى الذرية وظفر بالخزائن. فبينا هو يحصي ما فيها كان في قلعتها نحو من ثلاثمائة خزانة. فرأى خزانة منها وعليها ستر عليه الدهن. فأمر خزّان القلعة أن يفتحوه.
فجعلوا يبكون ويحلفون أنه ليس فيه شيء من الذهب والفضة. فجعل أبو موسى لا يزيده ذلك إلّا حرصا على فتحه، حتى همّ بكسر الباب. فلما رأى الخزّان ذلك قالوا له نحن نصدقك عما فيه. قال: قولوا. قالوا: فيه جسد دانيال. قال: وكيف علمتم ذلك؟ قالوا: أصابنا القحط سبع سنين متوالية حتى أشرفنا على الهلاك.
وكان هذا الجسد عندنا وقوم من النصارى يستسقون به إذا أجدبوا. فيسقون ويخصبون. فأتيناهم وطلبنا إليهم أن يعيروناه فأبوا علينا فرهناهم خمسين أهل بيت منا على أن نستسقي به في عامنا ذلك ونرده. فدفعوه إلينا. فلما استسقينا به سقينا وأخصبنا فتعلقنا به وحبسناه عن أصحابه ورغبنا فيه فهو عندنا نستسقي به في الجدب. فأمر أبو موسى بفتح الباب. فإذا في البيت سرير عليه رجل ميت واضع