للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على السرير ورأى بهاءها وحسنها وجلالة فرشها وآلتها، استعبر عند ذلك باكيا لخطرة خطرت بباله من ذكر الموت وقال: إذا كان سرور الدنيا الذي يمنعه فناؤه وكثرة ما ينوبه من العاهات، فكيف بسرور الآخرة مع بقائه وخلوصه من كل مكروه؟ وإن في هذا لعبرة ينبغي أن لا تسقط على ذي حجى فيرفض الكثير الفاني القليل الباقي «١» . وما أحسبنا إلّا ونجد أشرفنا من الدنيا فيما رفضنا من مخفوض مخايلها وأشخصنا الأبصار إلى ما تطأطأ من أعلام غرورها. ونحن أحرياء أن نوجه ذلك جهته، فيكون غفرانا لما بلغته الدنيا فينا من نهمتها.

ثم قال: أيها الناس! إن الذي بلغنا منه بأقصى قدرتنا لا يمتنع من الخراب والبلى بتوزيعنا إياه وفقده إيانا، وان مداه قليل الغناء عند طول الأجل منا.

ثم نادى مناديه ان الملك يعزم على كل من حضر إلّا قام فأخبر بعيب ان عرفه في بناء الملك فأحجم الناس جميعا عن ذلك. فقام رجل ذميم المنظر رث الهيئة فقال: إن الملك قد عزم علينا بما عزم علينا. فلولا التأثم من عزمه لكان موضوعا عاما ما أمر به. فلذلك نستجيز أن نقول ما وافقنا وخالفه. ومن عيوب بنائه، أنه بني في غيطة من الأرض لا تقع عليه العيون حتى تقرب منه. وأولى المواضع ببناء المدن والدور، المشرف من الأرض لتعلو على ما حولها، وتنظر [ها] الوفود من بعد. ومنها: ان منزل نسائه أعلى منازله. وذلك دليل في الطيرة على أن أمر النساء سيعلو على أمور الرجال. ومنها: ان حق صحن الدار أن يعمر بالخدم والحاشية وكثرة من يدخل ويخرج. وهذا الصحن يفضل عن حاشية الملك وخواصه ويتسع عنهم. وأخرى لم أشأ ذكرها. فإن يكن الملك قد عرفها [١٠٣ أ] وإلّا فليعفني من ذكرها. فقال له أنوشروان: كأنك تقول إني لم أنفق فيما عملت من هذا درهما من بيوت أموالنا، وإنما عملت ذلك مما أفاءت علينا أطراف الأسنّة ونحور الخيل من أموال أهل حربنا وأعداء أهل ملتنا المكتنفين لحوزتنا. قال: لئن قال الملك ذلك فما أفاد رسما إلّا بإتلاف رأس من رؤوس أساورته ولا عوض

<<  <   >  >>