للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطراة. قد مثل فيها التصاوير من الطير والسباع والبهائم والبسنا «١» المرسلات الشعور الفاتنات الثغور. إذا تأملها الناظر توهمها تنطق بألسنة الابتهاج. فكانت لهم مساكن مدة من الدهر، يكلفون بعمارتها، ويفنون في فنون نعمتها، ويرتعون في صحون عرصتها. حتى إذا قصدتهم العزم بانتزاع «٢» ما في أيديهم من عوارف النعم، وصبحتهم المثل بخواطف التكبر. فأسلمتهم إلى مدة الفناء ونزعتهم من البقاء. فعادت القصور خلاء لا أنيس فيها ولا ديّار بها. قد أخذ الخراب في أطرافها. واستحالت إلى تحير القصد محارتها. وتنكرت له الأيام مترجمة عما تؤول إليه عواقب أمرها. فللرياح فيها هتيف، وللجن بها عزيف. تصفقها هوج الأعاصير، وتنبت في أغراضها أسهم الدمار. يوقد رمتها عين البلى. وتناولتها يد الفناء. يحار الطرف في حجراتها، وتعجب الأفكار من عرضاتها. لا أنيس فيها ولا أحد يخبر عنها، ولا عالم ينبيك عن أهلها، ولا يحدثك عن سكانها. يرتاع قلبك إذا دخلتها، وتخفق جوانحك متى تأملتها ويسترهن اعتبارك [١٠٦ أ] نقوش طيقانها وأصباغ حيطانها بعد ما كانت قرة عين الناظرين، عادت عبرة للمتأملين.

وكذلك فعل الله عزّ وجلّ بالعباد وآثاره في البلاد.

قال: وكان السبب في بناء قصر شيرين- وهو أحد عجائب الدنيا- أن أبرويز أمر أن يبنى له باغ «٣» فرسخين في فرسخين. وأن يحصل فيه من كل صيد حتى يتناسل جميعه. ووكل بذلك ألف رجل، وأجرى على كل رجل من كل يوم خمسة أرغفة [من الخبز] «٤» ورطلين لحما ودورق خمر. فأقاموا في عمله وما أمر أن يجعل فيه من الصيد سبع سنين حتى فرغوا من جميع ذلك. فلما تمّ واستحكم صاروا إلى الفلهبد المغني وسألوه أن يخبر الملك بفراغهم مما أمرهم به. فقال:

افعل. ثم عمل صوتا وغناه به بين يدي الملك، وسماه باغ نخجيران أي باغ

<<  <   >  >>