الكثير. والماء إذا كان له عمق اشتد سواده في العين. وقال العكلي في صفة ماء:
عاوده من ذكر سلمى عوّده ... والليل داج مطلخم اسوده
فبتّ ليلي ساهرا ما أرقده ... مرتفعا أو قائما ما أقعده
حتى إذا الليل تولّى كبده ... وانكبّ للغور انكبابا فرقده
وحثّه حاد كمشي يطرده ... أغرّ أجلى مغرب مجرّده
أصبح بالقلب جوىّ ما يبرده ... ماء غمام في الرصاف مقلده
زلّ به عن رأس نيق صدده ... عن ظهر صفوان مزل مجسده
[حتى إذا السيل تناهى مدده ... وشكّد الماء الذي يشكّده]
بين نعامى ودبور تلهده ... كلّ نسيم من صبا تستورده
كأنّما يشهده أو يفقده ... فهو شفاء الصاد مما يعمده
وقال جرير:
لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة ... تجد الحوائم لا يجدن مقيلا
بالعذب في وسط الفلاة مقيله ... قصر الأباطح لا يزال ظليلا
قالوا: وفي الماء، أن أطيب شراب عمل وركّب مثل الجلاب والسكنجبين والبنفسج وغير ذلك مما يشرب من الانبجات والأفشرجات «١» فإن تمام لذته وغاية طعمه أن يجرع شاربه بعد شربه إياه جرعا من الماء يغسل بها فمه ويطيب بها نفسه. فهو في هذا الموضع كالخلّة والحمض جميعا، وهو تسويغ الطعام في المريء. وهو الموصل الغذاء في الأعضاء. فالماء يشرب صرفا وممزوجا والأشربة لا تشرب صرفا ولا ينتفع بها إلّا بممازجته. وهو بعد طهور الأبدان وغسول الأدران. وقالوا: هو كالماء الذي يطهر كل شيء ولا ينجسه شيء. ولذلك
قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : الماء لا ينجسه [١١٤ ب] شيء إلّا ما ظهر في طعمه