يرى البصير الحديد نظرائه ... منها لأجفانه سمادير
وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا فقال: من أين أنت؟ فقال: من همذان. قال: أما إنها مدينة همّ وأذى، تجمد قلوب أهلها كما يجمد ماؤها. وقال شاعركم أيضا محمد بن بشار يذم بلدكم ويذكر شدة برده وغلظ طبع أهله وما يحتاجون إليه من المؤن المجحفة الغليظة [١١٨ أ] :
أتتك امارات الشتا ودلائله ... ووافاك من برد الخريف أوائله
فأصبحت محزونا ودمعي كأنّه ... جمان على الخدين ينثر هامله
أمامي صيف رعانيه «١» ... وتيه رحيب جوزه ومجاهله
إذا البرد ردّاه رداء كأنه ... ملاء عليه قد تنوّق غاسله
وهبّت له ريح الصبا ثم أعقبت ... جنوبا وهبّت بعد ذاك شمائله
وجدت فؤادي طائرا من حذاره ... وقلبي كثيبا ما تكفّ بلابله
وقال آخر:
أتانا الزمان ببرد الشتاء ... وسال به سيله مكفهرّا
وهبّت سيول شمال الرياح ... فكزّ الفقير لها واقشعرّا
يقرّب من رأسه منكبيه ... ويغدو إلى ناره مشمئرّا
وأحجرت الكلب هوج الرياح ... وصرّ بأذنيه للبرد صرّا
وفارقت الوحش أوطانها ... إلى كلّ غور يقيهنّ «٢» شرّا
وكرّ الولاة على من يكون ... فلم يجد المرء منهم مفرّا
وشحّ البخيل على ماله ... وزوّى له حاجبيه وهرّا
وقيل لأعرابي دخل همذان ثم انصرف إلى البادية: كيف رأيت همذان؟