فقال: أما نهارها فرقّاص وأما ليلهم فحمّال. يعني أنهم بالنهار يرقصون لتدفأ أرجلهم، وبالليل حمّالون لكثرة دثارهم.
ووقع أعرابي إلى همذان في الربيع فاستطاب الزمان وأنس بالأشجار والأنهار. فلما جاء الشتاء، ورد عليه ما لم يعهده من البرد والأذى فقال:
بهمذان شقيت أموري ... عند انقضاء الصيف والحرور
جاءت بشرّ شرّ من عقور ... ورمت الآفاق بالهرير
والثلج مقرون بزمهرير ... لولا شعار العاقر النزور
أمّ الكبير وأبو الصغير ... لم يدف إنسان من التخصير
ولقد سمعت شيخا من علمائكم وذوي المعرفة منكم أنه يقول: يربح أهل همذان إذا كان يوم في الشتاء صافيا له شمس حارة، مائة ألف درهم، لأنهم لا يحتاجون فيه إلى الوقود. وقيمته في همذان ورساتيقها في كل يوم مائة ألف درهم.
وقيل لابنة الخسّ: أيما أشدّ الشتاء أم الصيف؟ فقالت: من يجعل الأذى كالزمانة.
وقيل لأعرابي: ما غاية البرد عندكم؟ فقال: إذا كانت السماء نقية والأرض ندية والريح شامية فلا تسأل عن أهل البريّة.
وقد جاء في الخبر أن همذان تخرب لقلة الحطب.
ودخل أعرابي همذان. فلما رأى هواءها وسمع كلام أهلها، ذكر بلاده وقال:
وكيف أجيب داعيكم ودوني ... جبال الثلج مشرفة الرعان
٢/٥٤ بلاد شكلها من غير شكل ... وألسنها مخالفة لساني
وأسماء النساء بها زنان ... وأقرب بالزنان من الزواني
ودخل بعض الأعراب الجبل في الشتاء فجعل أنفه