. وقف عند هذا القول. فإن كنت مؤمنا فتذكر ما فيها من النعمة أولا ثم النقمة آخرا، ثم قوّم مقادير النعم وتصاريفها.
وقد علمنا أن الله عزّ وجلّ قد عذّب الأمم بالغرق والرياح والحاصب والصواعق والخسف وغير ذلك، ولم يبعث عليهم نارا، كما بعث عليهم ماء وريحا وأحجارا. وجعل النار من عقاب الآخرة. ونهى أن يحرق بها شيء من الحيوان والهوام [وقال: لا تعذّبوا بعذاب الله] . فقد عظّمها كما ترى.
وقال عز وجل يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
. فجعل الشواظ والنحاس وهما النار والدخان من الآية. فلذلك قال على نسق الآية فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ.
ونار أخرى وهي نار إبراهيم عليه السلام التي ألقي فيها فجعلها الله عزّ وجلّ عليه بردا وسلاما.
ونار أخرى وهي النار التي كانوا [يستمطرون بها] في الجاهلية فإنهم كانوا إذا تتابعت عليهم الأزمات واحتاجوا إلى الاستمطار، اجتمعوا وجمعوا ما قدروا عليه من البقر، ثم عقدوا في أذنابها السلع والعشر المشدود في أذناب البقر [وأشعلوا فيها النيران] وضجّوا بالبكاء والدعاء والتضرع. فكانوا يرون ذلك من أسباب السقيا لهم. ولذلك قال الشاعر «١» :
لا درّ درّ رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقورا مسلّعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
ونار أخرى كانوا يوقدونها عند التحالف والتعاقد، فيذكرون منافعها ويدعون الله بالحرمان والمنع من منافعها على الذي ينقض العهد ويخيس العقد. وربما دنوا من النار حتى تكاد تحرقهم. ويهوّلون بذلك على من يخافون غدره. وقال الكميت: