وذهبت الصناعات ولما تغرب أحد ولا سافر إنسان ولتركوا التهادي فيما بينهم ولذهب الشرى والبيع والأخذ والإعطاء. إلّا أن الله جلّ وتقدس أعطى كل صقع نوعا من الخيرات لم يعطه الصقع الآخر ليسافر هذا إلى بلد هذا، فيحمل متاع أرضه. وهذا إلى مدينة هذا فيحمل عجائب مدينته.
وقيل في قول الله عزّ وجلّ وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها
أنه أراد بها جعله في بلد دون بلد، مثل الكاغذ بسمرقند ٢/٨٣ والقرطاس بمصر.
ولذلك خصّ بلاد الهند بأنواع الطيب والجواهر واليواقيت وأشباه اليواقيت وغير ذلك من الأحجار المثمنة. ولهم أصناف الطيب كالعود والعنبر والكافور والقرنفل والخولنجان والدارصيني وغير ذلك من أنواع الطيب. ولهم الصندل والتوتياء والهليلج وأنواع كثيرة لو ذكرناها لطال بها الخطب ولخرج الكتاب من الغرض الذي قصدناه. ولهم القثاء والخيزران والبقّم والصندل الأحمر والأبيض، ولهم الساج والفلفل. وفي بلادهم الطواويس والفيلة والكركدن.
وقد خصّ الله أهل الصين بإحكام الصناعات وأعطاهم منها ما لم يعط أحدا، فلهم الحرير الصيني والغضائر الصيني والسروج الصيني وغير ذلك من الآلات المحكمة العجيبة الصنعة المتقنة العمل. ولهم أيضا مسك إلّا أنه ليس بجيد. وقالوا إنما يتغير في البحر لطول المسافة.
ثم الروم وما قد خصهم الله به من العلوم والآداب وما قد أعطوا من الهندسة والفلسفة والحذق بالأبنية والمصانع واتخاذ الحصون وعقد القناطر والجسور وعمل الكيمياء والكساء الرومي والفرفير والبزيون. وفي بلادهم الميعة والمصطكى.
ثم النوبة وما قد خصّوا به من جودة الرمي وما قد انفرد به بلدهم من العجائب. ولهم الخيل العجيبة والنجب التي تسبق الخيل. ولهم الكلاب التي تقاتل الأسد.
وكذلك البجة وفي بلدهم معدن الزبرجد ومعدن الذهب، وزيّهم زي العرب كأنهم من رجال اليمن.