خيلا كثيرة يتبع بعضها بعضا. فلم يكن أسرع من أن وافت الخيل شماطيط «١» .
فكان الفارس إذا رأى مقرعة سابور، نزل عن دابته وسجد له، حتى اجتمع خلق من أصحابه ووزرائه، فجلس لهم ودخلوا إليه وحيّوه بتحية الملك. فلما كان بعد أيام جلس يحدث وزراءه ٢/٨٠ فقال له بعضهم: سعدت أيها الملك وعمرت عمرا طويلا، أخبرنا ما الذي أفدته في طول هذه المدة؟ قال: ما استفدت إلّا بقرة واحدة. ثم أحضرها إليهم وقال: ها هي. فمن أراد إكرامي فليكرمها. فأقبل الوزراء والأساورة يلقون عليها ما عليهم من الثياب والحليّ وما معهم من الدراهم والدنانير حتى اجتمع من ذلك ما لا يحصى كثرة. ثم قال لأبي الجارية: دونك جميع هذا المال فخذه لابنتك.
وقال له وزير آخر: أيها الملك المظفر، فما أشدّ شيء مرّ عليك وأصعبه؟
قال: طرد الوحش بالليل عن الزرع، فإنها كانت تعييني وتسهرني وتبلغ مني [١٣٣ ب] فمن أراد سروري فليصطد لي منها ما قدر عليه لأبني من حوافرها بنية يبقى ذكرها على سائر الدهر ومرّ الليالي والأيام.
فتفرق القوم في صيدها. فصادوا منها ما لا يبلغه العدد. فكان يأمر بقلع حوافرها أولا أولا حتى اجتمع من ذلك مثل التل العظيم. فأحضر البنائين وأمرهم أن يبنوا من ذلك منارة عظيمة يكون ارتفاعها خمسين «٢» ذراعا في استدارة ثلاثين ذراعا، وأن يجعلوها مصمتة بالكلس والحجارة، ثم تركب الحوافر حولها نظما من أسفلها إلى أعلاها مسمرة بالمسامير الحديد. ففعل ذلك فصارت كأنها منارة من حوافر.
فلما فرغ صانعها من بنائها جلس شابور يتأملها فاستحسنها واستظرفها وقال للذي بناها- وهو عليها ما نزل عنها بعد-: هل كنت تقدر على بناء أحسن منها؟
قال: نعم. قال: فهل بنيت مثلها لأحد؟ قال: لا. قال: ٢/٨١ فإن أمرك بعض الملوك