أيام الربيع، فإذا ظهر تبعه جنس من العصافير موشّاة الريش، فيخدمه كل يوم. واحد منها نهاره أجمع، يجيئه بالغذاء ويزقّه به. فإذا كان في آخر النهار وثب على ذلك العصفور «١» فأكله. حتى إذا أصبح وصاح، جاءه آخر من تلك العصافير فكان معه على ما ذكرنا، فإذا أمسى أكله. فلا يزال على هذا مدة أيام الربيع. فإذا زال الربيع، فقد هو وسائر أشكاله، وكذلك أيضا ذلك الجنس من العصافير فلا يرى شيء من الجميع إلى قابل في ذلك الوقت. وهو طائر في قدر الفاختة وذنبه مثل ذنب الببغاء وفي منسره تعقيف.
وقد يفعل هذا البوم أيضا في الجمال فإنهن يتعلقن بغصن من أغصان الشجر ثم يصوّتن [١٥٣ ب] صوتا تعرفه العصافير- وفي طبع العصافير معاداة البوم- فإذا سمعن ذلك الصوت اجتمعن ولا يزلن يرفرفرن على البوم، فكلما أمكنه شيء منهن وثب فأخذ وهن لا يبرحن من الترفرف عليه حتى يأخذ منهن ما يريد. فإذا اكتفى طار.
قال: ووجه المنصور خالد بن برمك إلى طبرستان لمحاربة الاصبهبذ والمصمغان. وكانت الأكاسرة أيام هربهم من العراق إلى مرو وقتل يزدجرد، أودعوا جبل طبرستان نفيس أموالهم لصعوبته وشدّة مسلكه وصيروا ذلك في القلاع. فلما وافى خالد بن برمك الجبل وملك قلاعه، وجد فيها من الجواهر والتيجان والمناطق والسيوف المكلّلة بالدر والياقوت والزمرّد ما لا قيمة له، وظفر من ذلك أهل البلد شيء كثير، فعظم ذلك وكبر خالد في نفوسهم، لأنه فتح هذا الفتح الجليل ما كانوا يصورونه على تراسهم ويصورون المجانيق التي كان يرميهم بها.
فأمّا الاصبهبذ لما دام الحصار عليه شرب السم وسقاه جميع حرمه فمات وماتوا.
وأما المصمغان فخرج ومعه نساؤه وسائر حرمه إلى خالد وجلس وأجلسهم