المتفقهة يظن أن الأرض المزروعة إذا حصل بها آفة منعت من كمال الزرع لم تنقص المنفعة ولم يتلف شيء منها، وكلا الأمرين غلط لمن تدبر.
ونظير الأرض المستأجرة للازدراع الأرض المستأجرة للغراس والبناء فإن المؤجر لا يضمن قيمة الغراس والبناء إذا تلف، ولكن لو حصلت آفة منعت كمال المنفعة المستحقة بالعقد، مثل أن يستولي عدو بمنع الانتفاع بالغراس والبناء أو تحصل آفة من جراد أو آفة تفسد الشجر المغروس، أو حصل ريح يهدم الأبنية ونحو ذلك، فهنا نقصت المنفعة المستحقة بالعقد نظير نقص المنفعة في الأرض المزروعة.
ولما كان كثير من الناس يتوهم أن المستأجر توضع عنه الجائحة في نفس الزرع والبناء والغراس كالمشترى - نفى ذلك العلماء، ويشبه أن يكون هذا معنى ما نص عليه أحمد ونقله أصحابنا كالقاضي وأبي محمد حيث قالوا - واللفظ لأبي محمد - إذا استأجر أرضاً فزرعها فتلق الزرع فلا شيء على المؤجر، نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافاً. لأن المعقود عليه منافع الأرض ولم يتلف إنما تلف مال المستأجر فيها فصار كدار استأجرها ليقصر فيها ثياباً فتلفت الثياب فيها.
فهذا الكلام يقتضي أن المؤجر لا يضمن شيئاً من زرع المستأجر كما يضمن البائع بزرع المشتري ولذلك ذكر ذلك في باب جوائح الأعيان وعلل ذلك بأن التالف إنما هو عين ملك المستأجر لا المنفعة وهذا حسن في نفي ضمان نفس الزرع، ويظهر ذلك فيما إذا تلف الزرع بعد كماله. وقد بينا فيما تقدم أن نفس المنفعة المعقود عليها تنقص وتتعطل بما يصيب الزرع من الآفة فيحط من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة.
فما نفى فيه الشيخ الخلاف ضمان نفس العين ولم يذكر ضمان نقص المنفعة هنا، لكن ذكره في كتاب الإجارة والموضع موضع اشتباه وفي كلام أكثر العلماء فيها إجمال وربما حققناه يتضح الصواب. والله سبحانه وتعالى أعلم.