للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا عرف الأصل الذي منه تفرع نزاع الناس فالذين قالوا ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، تنازعوا في كلام الله تعالى، فقال كثير من هؤلاء: الكلام لا يكون إلا بمشيئته المتكلم وقدرته فيكون حادثاً كغيره من الحوادث، ثم قالت طائفة والرب تعالى لا يقوم به الحوادث فيكون الكلام مخلوقاً في غيره، فجعلوا كلامه مخلوقاً من المخلوقات، ولم يفرقوا بين قال وفعل، وقد علم أن المخلوقات لا يتصف بها الخالق فلا يتصف بما يخلقه في غيره من الألوان والأصوات والروائح والحركة العلم والقدرة والسمع والبصر، فكيف يتصف بما يخلقه في غيره من الكلام، ولو جاز ذلك لكان ما يخلقه من إنطاق الجمادات علامة، ومن علم أنه خالق كلام العباد وأفعالهم يلزمه أن يقول كل كلام في الوجود فهو كلامه كما قال بعض الاتحادية (١) :

وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه

وهذا قول الجهمية والنجارية والضرارية وغيرهم فإن هؤلاء يقولون إنه خالق أفعال العباد وكلامهم مع قولهم أن كلامه مخلوق فيلزمهم هذا، وأما المعتزلة فلا يقولون أن الله تعالى خالق أفعال العباد لكن الحجة توجب القول بذلك، وقالت طائفة: بل الكلام لا بد أن يقوم بالمتكلم ويمتنع أن لا يكون كلامه إلا مخلوقاً في غيره، وهو متكلم بمشيئته وقدرته، فيكون كلامه حادثاً بعد أن لم يكن لامتناع حوادث لا أول لها، وهذا قول الكرامية وغيرهم، وقال كثير من هؤلاء الذين يقولون بامتناع حوادث لا أول لها مطلقاً الكلام لازم لذات الرب كلزوم الحياة ليس هو متعلقاً بمشيئته وقدرته بل هو قديم كقدم الحياة إذ لو قلنا أنه بمشيئته وقدرته لزم أن يكون حادثاً وحينئذ يلزم أن يكون مخلوقاً أو قائماً بذاته فيلزمه قيام الحوادث به وذلك مستلزم لتسلسل الحوادث لأن القابل للشيء لا يخلو عنه أو عن ضده، قالوا وتسلسل الحوادث ممتنع إذ التفريع على هذا الأصل.


(١) ابن عربي

<<  <  ج: ص:  >  >>