بسم الله الرحمن الرحيم سئل شيخنا وسيدنا شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية أعاد الله تعالى من بركته آمين: ما تقول في العرش، هل هو كري أم لا؟ فإذا كان كرياً والله من ورائه محيط بائن عنه، فما فائدة أن العبد يتوجه إلى الله حين دعائه وعبادته فيقصد العلو دون غيره؟ فلا فرق حينئذ وقت الدعاء بين قصد جهة العلو وغيرها من الجهات التي تحيط بالداعي، ومع هذا نجد في قلوبنا قصداً بطلب العلو لا يلتفت يمينه ولا يساره، فأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا وقد فطرنا عليها، وابسطوا لنا الجواب في ذلك.
أجاب رضي الله تعالى عنه: الحمد لله رب العالمين، الجواب عن هذا بثلاث مقامات:
أحدها أن لقائل أن يقول لم يثبت بدليل يعتمد عليه أن العرش فلك من الأفلاك المستديرة الكرية الشكل لا بدليل شرعي ولا دليل عقلي، وإنما ذكر طائفة من المتأخرين الذين نظروا في علم الهيئة وغيره من أجزاء الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة وأن التاسع - وهو الأطلس - محيط بها مستدير كاستدارتها، وهو الذي يحركها الحركة المشرقية، وإن كان لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة، ثم سمعوا في أخبار الأنبياء ذكر عرش الله وذكر كرسيه وذكر السموات السبع، فقالوا بطريق الظن: أن العرش هو الفلك التاسع، لاعتقادهم أن ليس وراء ذلك التاسع شيء إما مطلقاً وإما أنه ليس وراءه مخلوق، ثم أن منهم من رأى أن التاسع هو الذي يحرك الأفلاك كلها فجعلوه مبدأ الحوادث وزعموا أن الله تعالى يحدث فيه ما يقدره في الأرض أو يحدثه في النفس التي زعموا أنها متعلقة به، أو في العقل الذي زعموا أنه صدر عنهاااا