للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الفلك، وربما سماه بعضهم الروح، وربما جعل بعضهم ذلك النفس هو اللوح المحفوظ كما جعل العقل هو العلم، وتارة يجعلون اللوح هو العقل الفعال العاشر الذي لفلك القمر والنفس المتعلقة به. وربما جعلوا ذلك بالنسبة إلى الحق كالدماغ بالنسبة إلى الإنسان يقدر فيه ما يفعله قبل أن يكون، إلى غير ذلك من المقالات التي قد شرحناها وبينا فسادها في غير هذا الموضع. ومنهم من يدعي أنه علم ذلك بطريق الكشف والمشاهدة ويكون كاذباً فيما يدعيه، وإنما أخذ ذلك عن هؤلاء المتفلسفة تقليداً لهم أو موافقة لهم على طرقهم الفاسدة، كما فعل أصحاب رسائل أخوان الصفا وأمثالهم.

وقد ينتحل المرء في نفسه ما تقلده عن غيره فيظنه كشفاً كما ينتحل النصر أبي التثليث الذي يعتقده، وقد يرى ذلك في منامه فيظنه كشفاً، وإنما يخيل لما اعتقده (١) وكثير من أرباب الاعتقادات الفاسدة إذا ارتاضوا صقلت الرياضة نفوسهم فتتمثل لهم اعتقاداتهم فيظنونها كشفاً، وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أن ما ذكروه من أن العرش هو الفلك التاسع قد يقال أنه ليس لهم عليه دليل لا عقلي ولا شرعي، أما العقلي فإن أئمة الفلسفة مصرحون بأنه لم يقم عندهم دليل على أن الأفلاك هي تسعة فقط، بل يجوز أن تكون أكثر من ذلك، ولكن دلتهم الحركات المختلفة والكسوفات ونحو ذلك ما ذكروه. وما لم يكن لهم دليل على ثبوته فهم لا يعلمون لا ثبوته ولا انتفاءه.

مثال ذلك أنهم علموا أن هذا الكوكب تحت هذا بأن السفلي يكسف العلوي من غير عكس، فاستدلوا بذلك على أنه من فلك فوقه، كما استدلوا بالحركات المختلفة على أفلاك مختلفة، حتى جعلوا في الفلك الواحد عدة أفلاك كفلك التدوير وغيره،


(١) لعل أصله: يخيل إليه ما اعتقده، وأن بعض النصارى يرون في المنام وفي حال تغلب الخيال عند أولى المزاج العصبي في اليقظة السيد المسيح أو السيدة مريم عليهما السلام أو غيرهما من الحواريين ومن دونهم ويسمعون منهم ما يوافق
عقائدهم كما يقع لكثير من المسلمين فيغترون بهذه الخيالات

<<  <  ج: ص:  >  >>