للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي وضعها الله للأنام وأرساها بالجبال هو الذي عليه الناس والبهائم والشجر والنبات والجبال والأنهار الجارية.

فأما الناحية الأخرى من الأرض فالبحر محيط بها وليس هناك شيء من الآدميين وما يتبعهم. ولو قدر أن هناك أحد لكان على ظهر الأرض ولم يكن من في هذه الجهة تحت من في هذه الجهة، ولا من في هذه تحت من في هذه، كما أن الأفلاك محيطة بالمركز وليس أحد جانبي الفلك تحت الآخر، ولا القطب الشمالي تحت الجنوبي ولا بالعكس، وإن كان الشمالي هو الظاهر لنا فوق الأرض وارتفاعه بحسب بعد الناس عن خط الاستواء، فما كان بعده عن خط الاستواء ثلاثين درجة مثلاً كان ارتفاع القطب عنده ثلاثين درجة وهو الذي يسمى عرض البلد. فكما أن جوانب الأرض المحيطة بها وجوانب الفلك المستدير ليس بعضها فوق بعض ولا تحته، فكذلك من يكون على الأرض من الحيوان والنبات لا يقال أنه تحت أولئك، وإنما هذا خيال يتخيله الإنسان، وهو تحت إضافي، كما لو كانت نملة يمشي تحت سقف فالسقف فوقها وإن كانت رجلاها تحاذيه، وكذلك من علق منكوساً فإنه تحت السماء، وإن كانت رجلاه على السماء، وكذلك قد يتوهم الإنسان إذا كان في أحد جانبي الأرض أو الفلك أن الجانب الآخر تحته. (١)


(١) كل ما قاله شيخ الإسلام في الأرض فهو مبني على كونها كرة كما جزم به علماء الهيئة المتقدمون والمتأخرون ومن اطلع على هذا العلم وفهمه من علماء الإسلام الأعلام. وهذه مسألة قطعية لا ظنية، وصرح بها ابن القيم من علماء الحديث بالتبع لاستاذه المؤلف وللإمام ابن حزم واقتناعا بأدلتها ويدل عليه قوله تعالى (يكور الليل على النهار) الآية فان التكوير هو اللف على الجسم الكري المستدير كتكوير العمامة على الرأس، وكذا قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاها) فان الدحو في أصل اللغة دحرجة الكرة وما في معناها. ولا يعارضه قوله تعالى (وإذا الأرض سطحت) كما توهم الجلال وغيره لأن وجه الكرة
سطح لها والسطح في اللغة أعم منه في عرف أهل الهندسة وكذلك الخط

<<  <  ج: ص:  >  >>