الشريعة بالعبادة والدعاء بما يوافق الفطرة، بخلاف ما عليه أهل الضلال من المشركين والصابئين المتفلسفة وغيرهم فإنهم غيروا الفطرة في العلم والإرادة جميعاً، وخالفوا العقل والنقل، كما قد بسطناه في غير هذا الموضع.
وقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، ولكن ليبصق عن يساره أو تحت رجله " وفي رواية أنه أذن أن يبصق في ثوبه.
وفي حديث أبي رزين المشهور الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم " أنه ما من أحد إلا سيخلو به ربه " فقال له أبو رزين: كيف يسمعنا يا رسول الله وهو واحد ونحن جميع؟ فقال " سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمر آية من آيات الله كلهم يراه مخلياً به، فالله أكبر " ومن المعلوم أن من توجه إلى القمر وخاطبه إذا قدر أن يخاطبه لا يتوجه إليه إلا بوجهه مع كونه فوقه. ومن الممتنع في الفطرة أن يستدبره ويخاطبه مع قصده التام له وإن كان كل ذلك ممكناً، وإنما يفعل ذلك من ليس مقصوده مخاطبته كما يفعل من ليس مقصوده الخطاب، فإما مع زوال المانع فإنما يتوجه إليه، فكذلك العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه يستقبل ربه وهو فوقه فيدعوه من تلقائه لا من يمينه ولا من شماله، ويدعوه من العلو لا من السفل، كما إذا قدر أنه يخاطب القمر.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال " لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم في الصلاة أو لا ترجع إليهم أبصارهم " واتفق العلماء على أن رفع المصلي بصره إلى السماء منهي عنه، وروى أحمد عن محمد بن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع بصره في الصلاة إلى السماء حتى أنزل الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) فكان بصره لا يجاوز موضع سجوده.