فأثيب عليه، وتلك همت هم إصرار ففعلت ما قدرت عليه من تحصيل مرادها وإن لم يحصل لها المطلوب ".
والذين قالوا يعاقب بالإرادة احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم " إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار " قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال " إنه أراد قتل صاحبه " وفي لفظ " إنه كان حريصاً على قتل صاحبه " فهذا أراد إرادة جازمة وفعل ما يقدر عليه وإن لم يدرك مطلوبه، فهو بمنزله امرأة العزيز، فمتى كان القصد جازماً لزم أن يفعل القاصد ما يقدر عليه في حصول المقصود، وإذا كان قادراً على حصول مقصوده بطريق مستقيم امتنع مع القصد التام أن يحصله بطريق معكوس بعيد.
ولهذا امتنع في فطر العباد عند ضرورتهم ودعائهم لله تعالى وتمام قصدهم له أن يتوجهوا إليه إلا توجهاً مستقيماً، فيتوجهون إلى العلو دون سائر الجهات، لأنه الصراط المستقيم القريب، وما سواه فيه من البعد والانحراف والطول ما فيه، فمع القصد التام الذي هو حال الداعي العابد والسائر المضطر يمتنع أن يتوجه إليه إلا إلى العلو، ويمتنع أن يتوجه إليه إلى جهة أخرى، كما يمتنع أن يدلي بحبل يهبط عليه، فهذا هذا والله أعلم.
وأما من جهة الشريعة فإن الرسل صلوات الله عليهم بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتبديل الفطرة وتغييرها. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه " كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء " أي مجتمع الخلق سوية الأطراف ليس فيها نقص كجدع وغيره " هل ترون فيها من نقص؟ هل تحسون فيها من جدعاء ".
وقال تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) . فجاءت