للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل آخر

فيما قال في مسألة اللفظ كما في كتابه: موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول (١) ، وهذا نصه:

لما كان السلف والأئمة متفقين على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وقد علم المسلمون أن القرآن بلغه جبريل عن الله إلى محمد وبلغه محمد إلى الخلق وأن الكلام إذا بلغه المبلغ عن قائله لم يخرج عن كونه كلام المبلغ عنه، بل هو كلام لمن قاله مبتدئاً، لا كلام من بلغه عنه مؤدياً، فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى " وبلغ هذا الحديث عنه واحد بعد واحد حتى وصل إلينا كان من المعلوم أنا إذا سمعناه من المحدث به إنما سمعنا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تكلم به بلفظه ومعناه، وإنما سمعناه عن المبلغ عنه بفعله وصوته، ونفس الصوت الذي تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم لم نسمعه، وإنما سمعنا صوت المحدث عنه والكلام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كلام المحدث، فمن قال أن هذا الكلام ليس كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفترياً، وكذلك من قال إن هذا لم يتكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أحدثه في غيره أو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم بلفظه وحروفه بل كان ساكتاً أو عاجزاً عن التكلم بذلك فعلم غيره ما في نفسه فنظم هذه الألفاظ ليعبر عما في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ونحو هذا الكلام - فمن قال هذا كان مفترياً ومن قال أن هذا الصوت المسموع صوت النبي صلى الله عليه وسلم كان مفترياً، فإذا كان هذا معقولاً في كلام المخلوق فكلام الخالق أولى بإثبات ما يستحقه من صفات الكمال وتنزيه الله أن تكون صفاته وأفعاله هي صفات العباد وأفعالهم أو مثل صفات العباد وأفعالهم.

فالسلف والأئمة كانوا يعلمون أن هذا القرآن المنزل المسموع من القارئين كلام الله كما قال تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله


(١) ص ١٥٣ ج١ - (هامش منهاج السنة)

<<  <  ج: ص:  >  >>