إلا يتكلم أبداً قط بما يخالف الحق الباطن الحقيقي فهو إلى الضلال والتدليس أقرب منه إلى الهدى والبيان، وبسط الرد عليهم له موضع غير هذا.
والمقصود أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وغيره كله حق يصدق بعضه بعضاً وهو موافق لفطرة الخلائق وما جعل فيهم من العقول الصريحة، وليس العقل الصحيح ولا الفطرة المستقيمة بمعارضة النقل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما يظن تعارضهما من صدق بباطل من المنقول وفهم منه ما لم يدل عليه، أو إذا اعتقد شيئاً ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من المكشوفات وهو من المكسوفات، إذا كان ذلك معارضاً لمنقول صحيح، وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون كذباً عليه، أو ما يظنه لفظاً دالاً على معنى ولا يكون دالاً عليه، كما ذكروه في قوله صلى الله عليه وسلم " الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن صافحة وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه " حيث ظنوا أن هذا وأمثاله محتاج إلى التأويل، وهذا غلط من هم لو كان هذا اللفظ ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن هذا اللفظ صريح في أن الحجر الأسود ليس هو من صفات الله إذ قال هو " يمين الله في الأرض " فتقييده بالأرض يدل على أنه ليس هو يده على الإطلاق فلا يكون اليد الحقيقة. وقوله " فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه " صريح في أن مصافحه ومقبله ليس مصافحاً الله ولا مقبلاً ليمينه لأن المشبه ليس هو المشبه به، وقد أتى بقوله " فكأنما " وهو صريحة في التشبيه. وإذا كان اللفظ صريحاً في أنه جعله بمنزله اليمين لا أنه نفس اليمين، كان من اعتقد أن ظاهره أنه حقيقة اليمين، قائلاً للكذب المبين.
فهذا كله بتقدير أن يكون العرش كري الشكل سواء كان هو الفلك التاسع أو غير الفلك التاسع. وقد تبين أن سطحه هو سقف المخلوقات وهو العالي عليها من جميع الجوانب وأنه لا يجوز أن يكون شيء مما في السماء والأرض فوقه، وأن القاصد إلى ما فوق العرش بهذا التقدير إنما يقصد إلى العلو لا يجوز في الفطرة ولا في الشريعة مع تمام قصده أن يقصد جهة أخرى من جهاته الست، بل هو أيضاً