للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى، بل هؤلاء قولهم متناقض لا يمكن أحداً منهم أن يعيش به ولا تقوم به مصلحة أحد من الخلق ولا يتعاشر عليه اثنان، فإن القدر إن كان حجة فهو حجة لكل أحد، وإلا فليس حجة لأحد. فإذا قدر أن الرجل ظلمه ظالم أو شتمه شاتم أو أخذ ماله أو أفسد أهله أو غير ذلك فمتى لامه أو ذمه أو طلب عقوبته أبطل الاحتجاج بالقدر. ومن ادعى أن العارف إذا شهد الإرادة سقط عنه الأمر كان هذا الكلام من الفكر الذي لا يرضاه اليهود ولا النصارى، بل ذلك ممتنع في العقل محال في الشرع، فإن الجائع يفرق بين الخبز والتراب، والعطشان يفرق بين الماء والسراب، فيحب ما يشبعه ويرويه دون ما لا ينفعه، والجميع مخلوق لله تعالى، فالحي وإن كان من كان لا بد وأن يفرق بين ما ينفعه وينعمه ويسره، وبين ما يضره ويشقيه ويؤلمه. هذه حقيقة الأمر فإن الله تعالى أمر العباد بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم.

[تقسيم الناس في الشرع والقدر إلى أربعة أصناف]

والناس في الشرع والقدر على أربعة أنواع، فشر الخلق من يحتج بالقدر لنفسه ولا يراه حجة لغيره، يستند إليه في الذنوب والمعايب، ولا يطمئن إليه في المصائب، كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به. وبإزاء هؤلاء خير الخلق الذين يصبرون على المصائب ويستغفرون من المعايب، كما قال تعالى (فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك) وقال (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور) وقال تعالى (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>