للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلاً من القرآن والسنة فأهاب أن أقول ذلك ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل (١) فهذا يعرف في القرآن والحديث.

وقال مطرف بن الشخير: لم نوكل إلى القدر وإليه نصير. وقال ضمرة بن ربيعة لم نؤمر أن نتوكل على القدر وإليه نصير.

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار " قالوا يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال " لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له " وهذا باب واسع.

والمقصود هنا أن الخلال وغيره أدخلوا القائلين بالجبر في مسمى القدرية، وإن كانوا لا يحتجون بالقدر على المعاصي، فكيف بمن يحتج به على المعاصي؟ ومعلوم أنه يدخل في ذم من ذم الله من القدرية من يحتج به على إسقاط الأمر والنهي أعظم مما يدخل فيه المنكر له، فإن ضلال هذا أعظم. ولهذا قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف، وروي في ذلك حديث مرفوع لأن كلاً من هاتين البدعتين تفسد الأمر والنهي والوعد والوعيد. فالإرجاء يضعف الإيمان بالوعيد ويهون أمر الفرائض والمحارم، والقدري إن احتج به كان عوناً للمرجئ، وإن كذب به كان هو والمرجئ قد تقابلا، هذا يبالغ في التشديد حتى لا يجعل العبد يستعين بالله على فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وهذا يبالغ في الناحية الأخرى.

ومن المعلوم أن الله تعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب لتصديق الرسل فيما أخبرت، وتطاع فيما أمرت، كما قال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) وقال تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله) والإيمان بالقدر من تمام ذلك. فمن أثبت القدر وجعل ذلك معارضاً للأمر فقد أذهب الأصل.


(١) راجع حاشية ص ١٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>