للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلام الله وكلام الله غير مخلوق، فيكون هذا الصوت غير مخلوق، وهذا جهل، فإنه إذا قيل هذا كلام الله فالمشار إليه هو الكلام من حيث هو، وهو الثابت إذا سمع من الله وإذا سمع من المبلغ عنه، وإذا قيل للمسموع أنه كلام الله فهو كلام الله مسموعاً من المبلغ عنه لا مسموعاً منه، فهو مسموع بواسطة صوت العبد وصوت العبد مخلوق، وأما كلام الله منه فهو غير مخلوق حيث ما تصرف، وهذه نكت قد بسط الكلام فيها في غير هذا الموضع.

فصل: فإن قيل: ما منشأ هذا النزاع والاشتباه والتفريق والاختلاف؟ قيل: منشؤه هو الكلام الذي ذمه السلف وعابوه، وهو الكلام المشتبه المشتمل على حق وباطل، فيه ما يوافق العقل والسمع، وفيه ما يخالف العقل والسمع، فيأخذ هؤلاء جانب النفي المشتمل على نفي الحق والباطل، وهؤلاء جانب الإثبات المشتمل على إثبات حق وباطل، وجماعه هو الكلام المخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، فكل كلام خالف ذلك فهو باطل، ولا يخالف ذلك إلا كلام مخالف للعقل والسمع.

وذلك أنه لما تناظروا في مسألة حدوث العالم وإثبات الصانع استدلت الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من طوائف الكلام على (١) بأن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، ثم إن المستدلين بذلك على حدوث الأجسام قالوا إن الأجسام لا تخلو عن الحوادث وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، ثم تنوعت طرقهم في الأدلة في المسألة المتقدمة فتارة يثبتونها بان الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان، وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الاجتماع والافتراق وهما حادثان، وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الأكوان الأربعة: الاجتماع والافتراق والحركة والسكون،


(١) بياض في الأصل والمعروف أنهم استدلوا بما ذكر على قدم الصانع واجب الوجود

<<  <  ج: ص:  >  >>