للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان هذا معلوماً في تبليغ كلام المخلوق فكلام الخالق أولى بذلك، ولهذا قال تعالى: " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " زينوا القرآن بأصواتكم " فجعل الكلام كلام البارئ، وجعل الصوت الذي يقرؤه به العبد صوت القارئ، وأصوات العباد ليست هي الصوت الذي ينادي الله به ويتكلم به، كما نطقت النصوص بذلك بل ولا مثله، فإن الله تعالى " ليس كمثله شيء " لا في ذاته ولا أفعاله، فليس علمه مثل علم المخلوقين ولا قدرته مثل قدرتهم، ولا كلامه مثل كلامهم، ولا نداؤه مثل ندائهم، ولا صوته مثل أصواتهم، فمن قال عن القرآن الذي يقرؤه المسلمون ليس هو كلام الله أو هو كلام غير الله فهو ملحد مبتدع ضال، ومن قال إن أصوات العباد أو المداد الذي يكتب به القرآن قديم أزلي فهو ملحد مبتدع، بل هذا القرآن هو كلام الله وهو مثبت في المصاحف، وكلام الله مبلغ عنه، مسموع من القراء ليس مسموعاً منه، فالإنسان يرى الشمس والقمر والكواكب بطريق المباشرة ويراها في ماء أو مرآة، فهذه رؤية مقيدة بالواسطة، وتلك مطلقة بطريق المباشرة، ويسمع من المبلغ عنه بواسطة، والمقصود بالسماع هو كلامه في الموضعين كما أن المقصود بالرؤية هو المرئي في الموضعين.

فمن عرف ما بين الحالين من الاجتماع والافتراق والاختلاف والاتفاق زالت عنه الشبهة التي تصيب كثيراً من الناس في هذا الباب، فإن طائفة قالت هذا المسموع كلام الله، والمسموع صوت العبد وصوته مخلوق، فكلام الله مخلوق، وهذا جهل فإنه مسموع من المبلغ، ولا يلزم إذا كان صوت المبلغ مخلوقاً أن يكون نفس الكلام مخلوقاً، وطائفة قالت: هذا المسموع صوت العبد وهو مخلوق والقرآن ليس بمخلوق، ولا يكون هذا المسموع كلام الله، وهذا جهل، فإن المخلوق هو الصوت لا نفس الكلام الذي يسمع من المتكلم به ومن المبلغ عنه، وطائفة قالت: هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>