للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً فإن الله قد كفر من جعله قول البشر بقوله " إنه فكر وقدر، فقتل كيف قدر " (١) ، ومحمد بشر، فمن قال إنه قول محمد فقد كفر، ولا يفرق بين أن يقول بشر أو جني أو ملك، فمن جعله قولاً لأحد من هؤلاء فقد كفر، ومع هذا فقد قال " إنه لقول رسول كريم، ما هو بقول شاعر " فجعله قول الرسول البشري مع تكفيره من يقول إنه قول البشر، فعلم أن المراد بذلك أن الرسول بلغه عن مرسله، لا أنه قوله من تلقاء نفسه، وهو كلام الله تعالى الذي أرسله، كما قال تعالى " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " فالذي بلغه الرسول هو كلام الله تعالى لا كلامه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف ويقول " ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي " رواه أبو داود وغيره، والكلام كلام من قاله مبتدئاً لا كلام من قاله مبلغاً مؤدياً.

وموسى سمع كلام الله بلا واسطة والمؤمنون يسمعه بعضهم من بعض، فسماع موسى سماع مطلق بلا واسطة، وسماع الناس سماع مقيد بواسطة، كما قال تعالى " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً التكليم أو من وراء حجاب " ففرق بين التكليم من وراء حجاب كما كلم موسى بين التكليم بواسطة الرسول كما كلم الأنبياء بإرسال رسوله إليهم، والناس يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلام تكلم بحروفه ومعانيه بصوته صلى الله عليه وسلم ثم المبلغون عنه يبلغون كلامه بحركاتهم وأصواتهم كما قال صلى الله عليه وسلم: " نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فبلغه كما سمعه " فالمستمع منه مبلغ حديثه كما سمعه، لكن بصوت نفسه لا بصوت الرسول، فالكلام هو كلام الرسول تكلم به بصوته، والمبلغ بلغ كلام رسول الله بصوت نفسه.


(١) يعني إلى قوله (إن هذا إلا قول بشر)

<<  <  ج: ص:  >  >>