ما يصلح أن يراد وينبغي أن يراد دون ما هو بالضد كان هذا الثاني أكمل.
ويقولون: المأمور المني الذي فوقه آمر ناه هو ناقص بالنسبة إلى من ليس فوقه آمر ناه، لكن إذا كان هو الآمر لنفسه بما ينبغي أن يفعل والمحرم عليها ما لا ينبغي أن يفعل، وآخر يفعل يما يريده بدون أمر ونهي من نفسه. فهذا الملتزم لأمره ونهيه الواقعين على وجه الحكمة أكمل من ذلك وقد قال تعالى (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وقال " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم مجرماً فال تظالموا ".
وقالوا أيضاً: إذا قيل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد على وجه بيان قدرته، وأنه لا مانع له ولا يقدر غيره أن يمنعه مراده، ولا أن يجعله مريداً، كان هذا أكمل ممن له مانع يمنعه مراده ومعين لا يكون مريداً أو فاعلاً لما يريد إلا به.
وأما إذا قيل: يفعل ما يريد باعتبار أنه لا يفعل على وجه مقتضى العلم والحكمة بل هو متوسل فيما يفعله، وآخر يفعل ما يريد لكن إرادته مقرونة بالعلم والحكمة كان هذا الثاني أكمل.
وجماع الأمر في ذلك: أن كمال القدرة صفة كمال، وكون الإرادة نافذة لا تحتاج إلى معاون ولا يعارضها مانع وصف كمال.
وأما كون الإرادة لا تميز بين مراد ومراد بل جميع الأجناس عندها سواء فهذا ليس يوصف كمال، بل الإرادة المميزة بين مراد ومراد كما يقتضيه العلم والحكمة هي الموصوفة بالكمال، فمن نقصه في قدرته وخلقه ومشيئته فلم يقدره قدره. ومن نقصه من حكمته ورحمته فلم يقدره حق قدره. والكمال الذي يستحقه إثبات هذا وهذا.
[فصل في الرد على منكري النبوات بالعقل]
وأما منكرو النبوات وقولهم: ليس الخلق أهلاً أن يرسل الله إليهم رسولاً كما أن أطراف الناس ليسوا أهلاً أن يرسل السلطان إليهم رسولاً. فهذا جهل واضح في حق المخلوق والخالق، فإن من أعظم ما تحمد به الملوك: خطابهم بأنفسهم لضعفاء الرعية فكيف بإرسال رسول إليهم.