للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم الذين يقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايث له؛ وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما (١) ، وبالغوا في نفي التشبيه؛ حتى أدى بهم ذلك إلى نفي وجوده بالكلية، وذلك خشية منهم أن يشبهوه، فهم قالوا بهذه المقالة هرباً منهم -على حد زعمهم- من إثبات الجهة، والمكان، والحيِّز؛ فإن فيها كما يدَّعون تجسيماً، وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات، فنحن نسد الباب بالكلية.

وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج، زعموا أنها عقلية، أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة على كل نص، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

((وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم، إلا الجهمية، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي)) (٢) .

القول الثالث: قول حلولية الجهمية.

وهم الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان.

وهذا قول النجارية (٣) ، وكثير من الجهمية عبَّادهم، وصوفيتهم، وعوامهم.


(١) مجموع الفتاوى ٥ / ١٢٢، وتأويل مشكل الحديث لابن فورك ص ٦٣، والاقتصاد في الاعتقاد ص ٢٩، ٣٤
(٢) مجموع الفتاوى ٥/١٢٢.
(٣) هم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله بن النجار، وقد كان أكثر معتزلة الري ومن حولها على مذهبه، وقد نقل الشهرستاني في “ الملل والنحل ” (١/١١٣، ١١٤) عن الكعبي قوله: (إن النجار كان يقول: إن البارئ بكل مكان وجوداً، لا على معنى العلم والقدرة) .
انظر: مقالات الإسلاميين ١/١٣٥-١٣٧، ٢٨٣-٢٨٥، والفرق بين الفرق ص١٢٦، ١٢٧، وأصول الدين للبغدادي ص٣٣٤، والتبصير في الدين ص١٠١، ١٠٢، ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>