مسألة الترخّص بمسائل الخلاف، من المسائل التي بحثها الأصوليون والفقهاء على حدٍّ سواء، وهي مسألة أحسب أنّا أحوج ما نكون إلى ضبطها الآن، فالواقعون فيها بين مشدِّدٍ منكرٍ لجواز الترخص بها مطلقاً، وبين متساهلٍ مستهينٍ بها، فأجاز العمل بمسائل الخلاف مطلقاً، إلا أن أثر وخطر الفريق الثاني أعظم، لولع الناس والعوام بكل سهل ولو كان منكراً مستغرباً. وكلا الفريقين على خطأ، وكلاهما قد خالف مذهب الأئمة والسلف القائل: بالجواز ولكن بضوابط وقيود، وفي هذا البحث الذي أقدمه بين يديك، حاولت تتبع مذاهب الأئمة في هذه المسألة، فجمعت أقوالهم وأقوال أصحابهم في هذه المسألة، مستدلاً على هذا ببعض تفريعاتهم وفتاواهم، وقد جعلت هذا البحث من مقدمة وثمانية مباحث هي:
١ - الخلاف: أسبابه، وبيان أنه من السنن الكونية.
٢ - الاختلاف هل هو رحمة؟ ٣ - فضل معرفة علم ما يختلف فيه.
٤ - بيان زلاّت العلماء. ... ٥ - تأصيل المسألة.
٦ - أقوال العلماء في المسألة. ... ٧ - قاعدة مراعاة الخلاف.
٨ - ضوابط العمل بمسائل الخلاف.
والحمد لله رب العالمين.
مقدِّمة
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، وجعلنا خير أمّة أخرجت للناس، حثَّنا على التآلف والاجتماع، ونهانا عن التفرق والاختلاف. والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين، سيّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.