للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بعد: فمنذ غرّة سنيِّ الطلب، تلقينا عن مشايخنا وأساتذتنا، حبَّ أسلافنا من العلماء، وتوقيرهم، ومعرفة حقوقهم وأفضالهم، فهم بحور العلم الزاخرة، وجباله الشوامخ، فاستقرَّ ذلك في نفوسنا، وجعلناه ديناً ندين الله تعالى به. وجعلوا آية هذه المحبة والتوقير ترك التعصب لمذهب على آخر، وعدم الإنكار على مقلدة المذاهب في اختياراتهم واجتهاداتهم، ففي هذا الاختلاف رحمة للأمة كما صحّ عن كثير من السلف. وأئمة المذاهب مجتهدون، والمجتهد مأجور في كل الأحوال، حتى أسلمنا ذلك إلى جواز الأخذ بقول أيِّ إمام من الأئمة، من غير نظرٍ إلى دليل، فكون المسألة تُعدُّ من مسائل الخلاف، هي دليل الإباحة. ومما زاد من غلواء هذا، ما كنّا نسمعه من بعض أهل العلم من جعلهم الخلاف حجّةً يحتجون بها في معرض الجدال والنقاش، وسبباً للبحث عن الرخص للعوام من الناس من غير ضابط ولا قيد، ويستدلون بما سطّره بعض أسلافنا من العلماء - رحمهم الله - في كتبهم من أنه لا إنكار في المجتهدات، فبلغ السيل زباه، حتى صار العوام من الناس يلوكون هذه الكلمة من غير معرفة لمعناها فيرددون: المسألة فيها خلاف.

ولا تحسبنَّ أن هذه الآفة التي ابتلي بها زماننا، هي أمر مستجد، بل هي قديمة ظلّت تتحدَّر من زمان إلى زمان، ومن قرن إلى قرن، تنصُّ برأسها بين حين وآخر، يعينها على هذا النصوص، قلَّة العلماء العاملين، وكثرة الجهّال الذين يفتون بغير علم. وخير من يصف هذا الحال هو الشاطبي (١)


(١)
الحواشي والتعليقات
() هو إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي الغرناطي، من أئمة المالكية، صاحب ((الموافقات)) و ((الاعتصام)) توفي سنة ٧٩٠ هـ.

... انظر ترجمته في: الأعلام ١ / ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>